الخميس 18 / رمضان / 1445 - 28 / مارس 2024
نظرات في كتب التفسير (2) التعريف بكتب التفسير
تاريخ النشر: ١٥ / جمادى الآخرة / ١٤٢٨
التحميل: 10139
مرات الإستماع: 7558

وهناك وجه من الارتباط والمناسبة بين موضوع الآية وخاتمتها كما في قول الله -تبارك وتعالى: وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا جَزَاء بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [سورة المائدة:38]، ولم يقل في آخر الآية: وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ، فالمناسب هناالعزة والحكمة، عزّ فحَكم وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ وهناك قصة مشهورة لأعرابي سمع قارئاً يقرأ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ قال: لا، مع أن هذا الإعرابي لم يكن يحفظها أصلاً فلما أعادها قال: وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ قال: نعم، عزّ فحَكَم، وأحياناً قد تُستشكل بعض المواضع، مثلاً في قوله -تبارك وتعالى- عن عيسى ﷺ حينما يسأله الله -تبارك وتعالى: أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِن دُونِ اللّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ [سورة المائدة:116]، إلى أن قال: إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [سورة المائدة:118]، فلم يقل: "فإنك أنت الغفور الرحيم"، وإنما قال: إِن تُعَذِّبْهُمْ، فأنا ما قلت: اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ، وهم عبادك بين يديك: إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ وليبين أنه إن غفر لهم في ذلك اليوم العظيم فليس مغفرته وعفوه ورحمته من عجز عن المؤاخذة والأخذ، وإنما عن عزة وحكمة، عزيز قادر على أن ينزل بهم العقوبة فليس بعاجز، وحكيم يضع الأمور في مواضعها ويوقعها في مواقعها، هذه المواضع التي قد تستشكل، هذا يسمى المناسبة بين موضوع الآية وبين خاتمتها، هذا كله لا إشكال فيه، وهناك كتب تُعنى بالمناسبات منها كتب تفسير، ومنها كتب أخرى مستقلة وليست كتب تفسير، وهناك كتب في فضل الآية إذا ورد فيها حديث صحيح، وهناك كتب من كتب التفسير تذكر هذه الأشياء، وهناك كتب مستقلة تتحدث عن فضائل السور، وهناك كتب تتحدث عن فضائل الآيات والسور لكن ينبغي أن يقتصر على الأحاديث والروايات الصحيحة، ويستبعد الضعيف، ننتقل بعد ذلك إلى أسباب النزول، سبب نزول هذه الآية، القرآن منه ما نزل ابتداءً وهو الأكثر، يعني من غير سبب معين، ومنه ما نزل بسبب، وهذا الذي نزل في سبب هو ليس بقليل لكن الغالب ما نزل ابتداءً، وهناك كتب تُعنى بأسباب النزول كتب متنوعة وكثيرة جداً منها ما يروي هذه الأسباب بالأسانيد، ومنها ما يختصر الإسناد، منها ما يقتصر على الروايات الصحيحة فقط، ومنها ما يذكر الصحيح والضعيف، في الآية وسبب نزولها يمكن أن نذكر المعنى الإجمالي -المعنى العام- من أجل ألا يضيع المعنى الذي نزلت الآية لتقرره في ثنايا اللطائف والاستنباطات الدقيقة، والنكات البلاغية وما أشبه هذا، نذكر المعنى العام ثم بعد ذلك إن كان في المعنى قراءات تذكر هذه القراءات تبين هذه قراءة متواترة، وهذه قراءة أحادية، وهناك كتب تُعنى بالقراءات، وبعض الكتب تعنى بالقراءات السبع، وبعض الكتب تعنى بالقراءات العشر، وبعض الكتب تعنى بالشواذ، وبعض الكتب تعنى بتوجيه القراءات يعني هذه القراءة بناءً على كذا، معناها كذا، وهناك كتب في توجيه القراءات السبع، وهناك كتب في توجيه القراءات الشاذة مثلاً، ونحتاج أن نبين معاني الغريب غريب الألفاظ وهذا له مصنفات كثيرة منها المطولة، ومنها ما هو مختصر، وكذلك نحتاج أن نذكر ما نحتاج إليه من الإعراب إذا كان يتوقف عليه المعنى إلا إذا كنا ندرّس لطلاب لغة عربية من المتخصصين نريد التطبيق على ما يدرسونه في النحو، هذا شأن آخر، أما إذا كان الدرس تفسيراً فلا نشغل الناس بالإعرابات، ومن عادة الناس في الغالب أن نفوسهم تنفر من الإعراب، فإذا جاء الإعراب انقطع الذهن وسئموا، فنحن نذكر من الإعراب ما يتوقف عليه المعنى فقط، وأحياناً ما يتبين المعنى إلا إذا بُين الإعراب، يعني ما يذكرونه مثلاً أن أصعب آية من جهة الإعراب والمعنى هي آية المائدة يِا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَأَصَابَتْكُم مُّصِيبَةُ الْمَوْتِ تَحْبِسُونَهُمَا مِن بَعْدِ الصَّلاَةِ فَيُقْسِمَانِ بِاللّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لاَ نَشْتَرِي بِهِ ثَمَنًا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَلاَ نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللّهِ إِنَّا إِذًا لَّمِنَ الآثِمِينَ ۝ فَإِنْ عُثِرَ عَلَى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْمًا فَآخَرَانِ يِقُومَانُ مَقَامَهُمَا مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الأَوْلَيَانِ فَيُقْسِمَانِ بِاللّهِ لَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِن شَهَادَتِهِمَا وَمَا اعْتَدَيْنَا إِنَّا إِذًا لَّمِنَ الظَّالِمِينَ [سورة المائدة:106-107]، فلمعرفة معنى الآية لابد أن يبين إعراب بعض الكلمات، وهناك كتب تعنى بالإعراب هناك كتب تفسير تركز على قضايا الإعراب منها ما هو معاصر، ومنها ما هو متقدم، وهناك كتب تعنى بالمشكِل فقط من الإعراب دون سائر الأشياء، وكذلك نحتاج أن نبين ما في الآية من الناسخ والمنسوخ، وكتب التفسير في الغالب تشير إلى هذا، وهناك أيضاً كتب متخصصة في باب الناسخ والمنسوخ منها كتب أمهات تعتبر أصلية، ومنها كتب تعتبر دون ذلك، وما يعتمد عليه في ذلك، ودعوى النسخ كثيرة جداً بالمئات، والواقع الذي يثبت فعلاً أنه منسوخ في القرآن قد لا يتجاوز أصابع اليدين، يعني عند التمحيص والتحقيق، والفائدة من مناقشة دعوى النسخ أمور متعددة منها:

الأمر الأول: قضايا الأحكام سواء كانت أحكاماً تتعلق بالاعتقاد أو قضايا من الفروع العملية فهذه يمكن أن يستنتجها المفسر من خلال الآيات ودلالتها، وأمر آخر وهو اللطائف البلاغية لماذا قال الله مثلاً: فَيَوْمَئِذٍ لَّا يُسْأَلُ عَن ذَنبِهِ إِنسٌ وَلَا جَانٌّ [سورة الرحمن:39]، وفي موضع آخر قال: وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ [سورة الصافات:24]، فلا تعارض بين الآيتين، ويمكن أن نقول: يوم القيامة يوم طويل فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ [سورة المعارج:4]، ففي بعض المواطن لا يُسأل أحد عن ذنبه، وفي بعض المواطن يُسألون، أو يقال: إنه لا يسأل سؤال استعتاب من أجل أن يعتذر ويقبل عذره لا، وإنما يسأل سؤال تبكيت، وفي موضع أخبر أنهم لا ينطقون، وفي موضع آخر أخبر أنهم يتكلمون إِن لَّبِثْتُمْ إِلَّا عَشْرًا [سورة طه:103]، وأخبر أنه لا يكلمهم في موضع، وفي موضع آخر قال لهم: اخْسَئُوا فِيهَا هذا تكليم، يقول: لا يكلمهم كلام تشريف، وإنما كلام تبكيت وهكذا، وهذا فيه مؤلفات تعالج هذه القضايا.

 الأمر الثاني: من الفوائد المستنبطة واللطائف والفوائد التربوية تذكر بعض الفوائد الجميلة والأشياء المستنبطة التي يمكن أن تقال مثلاً في قول الله : قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا [سورة المجادلة:1] جاء عن عائشة -ا- أنها قالت: "الحمد لله الذي وسع سمعه الأصوات إني لفي ناحية البيت، ما أسمع ما تقول"[1]، فهنا نتحدث عن قضية سمع الله وأنه يسمع دبيب النمل، ويسمع أصواتنا وكلامنا، فينبغي للإنسان أن يحاسب نفسه، وأن يتقي الله فيما يقول، وأن يعلم أن هذا الكلام يكتب ويقيد، وأن الملِك العلام يسمع كل كلمة ينطق بها الإنسان، فيتحرز ويخاف وهكذا، فهذه مواطن كثيرة جداً في القرآن يمكن أن يقف عندها الإنسان، ويربى عليها النفوس وهذه أعظم تربية، ولو أن الناس نظروا فيما حواه القرآن من هذه المعاني لأغناهم وكفاهم عن غيره والسنة شارحة للقرآن، ولا يمكن أن يأتي التربويون في نظرياتهم بشيء صحيح إلا وتجد ذلك في القرآن بأوضح عبارة، شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- يقول: لو أن الناس نظروا في القرآن واعتبروا ما فيه لاستغنوا به عن غيره مما يقوله الناس، وإذا نظرت إلى ما تشرحه السنة، أو كلام أهل العلم على الآيات رأيت ما يكفيك، وفي غاية الدقة، بل إذا ذكرت لبعض من يتكلفون ويجتمعون في ما يسمى بورش العمل، والعصف الذهني يتعجبون، وربما يقولون: أول مرة نسمع هذا الكلام، فربما أتحدث معكم اليوم كلاماً طويلاً وتجده في القرآن بعبارة وجيزة، ولا أقصد طبعاً التكلف الذي هو حمْل القرآن على المعاني كما يقول بعض الناس، وبعد أن عرفنا كيف نرتب الأفكار والمعلومات -وهذه طريقة مقترحة وليست بلازمة- ننتقل إلى ما يذكر، وهو أن هذا التفسير يعتمد على معلومات وهذه المعلومات تؤخذ من كتب التفسير، ومن كتب أخرى غير كتب التفسير ومن مصدر ثالث وهو الاستقراء والجمع، وهذا لا يمكن أن يتحدث عنه، لأنه لا توجد قاعدة، وإنما نريد أن يكون عند الإنسان تصورات وليس المناقشة لجزئيات وأمثلة وتطبيقات، ولذلك سنتحدث عن الكتب التي تتعلق بالتفسير، والكتب الأخرى التي تعين الناظر في التفسير، وليست من كتب التفسير وقبل الشروع في الكلام على الكتب أذكّر بقضية وهي أنه عندما تقرءون في كثير من الكتب التي تتحدث عن كتب التفسير مثلاً يتحدثون عن أول ما ألف في التفسير، وأن التفسير كان مختلطاً بالحديث، ويذكرون أوائل المؤلفين في التفسير يقولون: شعبة بن الحجاج المتوفى سنة مائة وستين للهجرة، وسفيان بن عيينة مائة وثمانٍ وتسعين للهجرة، ووكيع بن الجراح مائة وست وتسعين، يقولون: وكان التفسير مختلطاً بالحديث هكذا يقولون، لكن عند التتبع والنظر فيما وراء هذه الكتب التي تتحدث عن هذه القضايا -وينقل بعضهم عن بعض عادة- تجد أن الأمر ليس كما يقولون، والتفسير من الفسر وهو الكشف، سواء كان ذلك من الأمور الحسية نحو كشف عن ساعديه أوذراعه، أو كان ذلك من الأمور المعنوية وهو الكشف عن المعنى المغطى، إظهار الكشف والإبانة، وإظهار المعنى إبانة المعنى الغامض هذا هو التفسير في اللغة، وفي الاصطلاح يمكن أن نقول: إنه بيان مراد الله من كلامه على قدر الطاقة البشرية؛ لأنه لا يمكن لأحد أن يحيط بجميع معاني القرآن، إلا من تكلم به ، والكلام الذي يذكرونه في أوائل ما كتب في التفسير أقول هذا فيه نظر، فالصحابة كانوا يسألون النبي ﷺ فما يشكل عليهم من تفسير القرآن، والروايات في هذا كثيرة، لمّا أشكل عليهم قوله سبحانه: الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ [سورة الأنعام:82]، سألوا النبي ﷺ عنها، فأخبرهم أن معنى ذلك الشرك وفسره بقوله: إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ [سورة لقمان:13]، وأحياناً النبي ﷺ يبين لهم ابتداءً وهذا في مواضع كثيرة، لكن هل النبي ﷺ لم يبين لهم جميع معاني القرآن، وإنما بين لهم ما يحتاجون إليه وذلك أن التفسير كما قال ابن عباس على أربعة أضرب منه مالا يسع جهله لأحد، ومنه ما يجهله أحد، هذه هي الأشياء الواضحة والبينة الظاهرة، ومنه ما تعرفه العرب من لغاتها، كـ"الأبّ"، وقوله: إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ [سورة المرسلات:32] قال ابن عباس: كنا نجمع الحطب في الشتاء على قدر ذراع نعده للشتاء ونسميه القصر، ومنه ما يعلمه العلماء وهو المتشابه المعنوي والاستنباطات الدقيقة وما أشبه ذلك، ومنه مالا يعلمه إلا الله، وهو حقائق الأمور الغيبية، وليس في المعاني، فالصحابة كان النبي ﷺ يبين لهم ما يحتاجون إليه، ثم الصحابة تلقى بعضهم عن بعض، وتلقى عنهم التابعون، ثم جاء أتباع التابعين، وأول من ألف في التفسير سعيد بن جبير توفى سنة أربع وتسعين، وقيل: خمس وتسعين قتله الحجاج، وإذا نظرت في كتاب تهذيب التهذيب لابن حجر في ترجمة عطاء بن دينار قال أحمد بن صالح: هو تفسير عطاء بن دينار فيما يروي عن سعيد بن جبير صحيفة، يعني: أنه وجدت هذه الصحيفة في الديوان، ونقل منها التفسير بمعنى أن عبد الملك بن مروان المتوفى سنة ست وثمانين للهجرة، طلب من سعيد بن جبير أن يكتب له بالتفسير فكتب له هذه الصحيفة التي كتبت، ولاشك أنها كتبت قبل وفاة عبد الملك بن مروان سنة ست وثمانين للهجرة، كتاب في وقت متقدم يعني من القرن الأول الهجري، وكذلك إذا نظرت إلى كثير من الكتب ككتب الجرح والتعديل، وطبقات القراء، وطبقات المفسرين، وكتب التواريخ عموماً كتاريخ بغداد، وتراجم الأعلام كالسير للذهبي، والمعارف لابن قتيبة، وتذكرة الحفاظ، وما شابه هذا، تجدهم ينسبون إلى عدد من السلف كتباً في التفسير مثل مجاهد بن جبر المتوفى سنة 104هـ، الضحاك بن مزاحم المتوفى 105هـ، عكرمة مولى ابن عباس 107هـ، محمد بن كعب القرضي 108هـ وقيل غير ذلك، الحسن البصري110هـ، عطاء بن أبي رباح 114هـ، وهب بن منبه114هـ، وقيل110هـ، قتادة السدوسي 117هـ، عطاء بن دينار 126هـ، إسماعيل السدي 127هـ، عطاء الخرساني133هـ، الربيع بن أنس 134هـ، زيد بن الأسلم 136هـ، شبل بن عباس 148هـ، مقاتل بن حيان 150هـ، ومقاتل بن سليمان150هـ، مقاتل بن سليمان سيأتي الكلام على تفسيره باختصار وهو تفسير موجود، مطبوع في ثلاثة مجلدات، وفي بعض الطبعات في أربعة مجلدات، توفى مقاتل سنة150هـ، وله أيضاً تفسير 500 آية، حقق في الجامعة العربية برسالة ماجستير قبل سنة 1410هجرية، وهذا القدر يكفي لبيان أن الكتابة في التفسير كانت متقدمة.

كتب التفسير:

 كتب التفسير كثيرة جداً، يصعب الكلام على كل المطبوع فضلاً عن الكلام على المخطوط، والمخطوط أكثر من المطبوع، بل الحواشي على بعض الكتب لربما يتعب الإنسان من تصفح أوراق فهارس المخطوطات  لكثرتها، فكيف بالكلام عليها، وبيان ما تضمنته من أول الكتب التي وصلتنا إلى اليوم؟!، فتفسير مقاتل بن سليمان البلخي موجود تفسير "500" آية المقصود بـ"500" آية هي الآيات الصريحة المباشرة في تقرير الأحكام كقوله مثلاً: وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ  [سورة البقرة:43]، وكثير من المؤلفين في الأحكام اقتصروا على هذه الآيات، هناك كتب تُعنى باستنباط الأحكام والمعاني من القرآن، وتفسير القرطبي يذكر الأحكام حتى من موضع القصص، والله حينما يذكر في قصة أصحاب الكهف، يقول: فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَهَا قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا [سورة الكهف:71]، فنأخذ منها مسألة فقهية وليست الآية لبيان حكم، لكن يستنبط منها حكم، ومثل هذا لا يذكره أصحاب 500 آية، فمن أحكام هذه القصة جواز إتلاف البعض في سبيل إبقاء الكل، فلو أن إنساناً ظهرت في طرف أصبع رجله الإبهام غرغرينة، ما حكم قطع الأصبع أو الرِّجل؟ فهل نقول هذا عضو محترم لا يجوز قطعه ولو مات الإنسان؟ الجواب: يقطع البعض في سبيل استصلاح الكل، ولو أن رجلاً أعطاك أمانة وقال لك: اذهب بهذه الأموال ثلاثمائة ألف ريال إلى وكيلي فلان، وفي الطريق جاء قُطّاع طرق وقالوا: ما نتركك حتى تعطينا خمسين ألفاً، فأعطاهم خمسين ألفاً في سبيل استبقاء باقي المال، فلا يضمن إذا رجع إليه، دفع خمسين ألفاً في سبيل الحفاظ على بقية المال، وإلا كان المال كله ضاع، فضحي ببعض المال في سبيل بقاء الكل، كذلك لما وجد الغلام على سيف البحر فقتله: قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَّقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُّكْرًا [سورة الكهف:74]، هذه مسألة فقهية معروفة في باب القضاء، هل يجوز للقاضي أن يحكم بعلمه؟ أو لا يقف على البينات والشهود؟ وشرع من قبلنا شرع لنا بشرط ألا يخالف شرعنا، وأحياناً تأتي قضية أنت تعلم أن فلاناً يفعل الفواحش، وما لا يليق، وأن هذه التهمة وجهت إليه وأنها عنده وفيه، لكن القاضي الآن لابد من الشهود أو البينة، ما في شيء يثبت، وأنت تعرف أن هذا الإنسان يسرق أموال الناس ويحتال، وأن الأرض هذه ليست له.

فتفسير مقاتل تفسير الخمسمائة آية هذا يتعلق بالأحكام المباشرة، وهناك كتاب آخر في التفسير في أربعة مجلدات مطبوع، وليس في آيات الأحكام، وإنما هو تفسير فتارة يروي بالإسناد عن غيره، وفي الغالب هو يذكر التفسير مختصراً، وكلام أهل العلم في الثناء على تفسير مقاتل كثير جداً، وكان بعضهم في غاية الإعجاب بهذا التفسير، لكنهم تكلموا فيه من ناحيتين من ناحية الاعتقاد، واشتهرت عبارة أبي حنيفة -رحمه الله: أنه جاءنا من قبل المشرق رأيان خبيثان مقاتل مجسم، والجهم معطل، وسرت بين العلماء وتناقلوها وجرت على لسان أئمة كبار، لكن مقاتل -رحمه الله- لا يظهر في تفسيره شيء من التجسيم أبداً، وكتبه التي وصلت إلينا لا يوجد فيها شيء من ذلك، ولهذا لما ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- وذكر ما نسب إليه من التجسيم قال: ولعله لا يثبت عنه، عبارة مختصرة لكنها ذات دلالة كبيرة، اتهم بالتجسيم وهذا لا يوجد ما يثبته، القضية الأخرى وهي أنه اتهم بالكذب في الرواية وكلام الأئمة في هذا كثير، يقولون هو تفسير جيد لكن الرواية الرجل متهم فإذا نظر في تفسيره انتفع فيه الإنسان، لاسيما أن تفسير مقاتل غالبه ليس في الرواية، وإن وجدت فيه بعض الروايات، لكن الغالب فيه ليس من قبيل الرواية، فيستفاد من تفسيره المعاني الحسنة، وأما قبوله في الرواية فله شأن آخر، فهذا من سنة مائة وخمسين للهجرة، هناك كتب أخرى مثل تفسير يحيى بن سلام المتوفى سنة مائتين للهجرة، هذا التفسير يوجد به بعض النواقص وله عدة نسخ خطية في مصر، ويذكر أسباب النزول، ويفسر القرآن بالقرآن، ويذكر أسانيد المرويات غالباً، ويرجح، ويشير إلى القراءات ويوجهها باختصار، ويكثر الرواية عن الكلبي والسدي، ويذكر بعض الإسرائيليات ولا يعلق عليها، هذا تفسير متقدم، وذكر أن عامة من روى عنهم قد رووا عنه وأخذوا عنه، فهو عاصر الإمام مالك -رحمه الله، ويذكر أن مثل الإمام مالك والليث ومن في طبقتهم أخذ عنهم، وأخذوا عنه، هذا الكتاب له ثلاثة مختصرات:

الأول: يسمى بتفسير كتاب الله العزيز لهود بن المحكم الهواري توفى سنة مائتين وثمانين للهجرة تقريباً، يعني ليس بعيداً من عصر المؤلف، وهو أول مختصر لتفسير يحيى بن سلام، وهذا المؤلف من الخوارج إباضي وهو متقدم، وهذا دليل على أن الفرق موجودة منذ القدم، فكان المؤلف يأتي عند المواضع التي لا توافق عقيدته ويعبر عنها بطريقته، وهذا خلاف الأمانة العلمية، والمفروض أن هذا اختصار لتفسير يحيى بن سلام، ويحيى بن سلام من أهل السنة والجماعة، فهذا يعبر في المواضع التي تتعلق بالشفاعة والقضايا بطريقته، ويحذف الروايات والأحاديث التي لا توافق مذهبه كأحاديث الشفاعة يحذفها، وهكذا أحاديث الجهنميين؛ لأن الخوارج –كما تعرفون- يرون خلود أهل الكبائر في النار، فيحذف هذه الأحاديث، وحَذَفَ أسانيد الكتاب واكتفى بذكر الصحابي، وأما أقوال التابعيين فإنه يقول: قال بعضهم، وتفسير يحيى بن سلام لا يقتصر على ذكر الروايات، وإنما يذكر بعض القضايا المتعلقة بالمعاني، وهذا خلاف المشهور الذي تجدونه في كثير من الكتب التي تتكلم عن كتب التفسير وطريقتها، ويقولون: ابن جرير هو الذي كان يذكر الروايات ويناقش ويذكر المعاني اللغوية إلى آخره، وأما الذين قبله فلم يكن لهم إلا سرد الروايات، نقول لهم: هذا ليس صحيحاً، يحيى بن سلام لا يقتصر على ذكر الروايات بل يذكر أشياء أخرى، وله مختصر آخر وهو المعروف بتفسير عبد الرحمن بن مروان بن عبد الرحمن بن أبي المطرف الأنصاري القرطبي توفي سنة 413هـ، لكن هذا مفقود لم نقف عليه، والمختصر الثالث لتفسير يحيى بن سلام هو كتاب مطبوع في خمسة مجلدات طبع في السنوات الأخيرة، وهو "تفسير القرآن العزيز" لمحمد بن عبد الله بن عيسى الليبيري الإمام المعروف بابن أبي زمنين، وهذا من أئمة أهل السنة والجماعة له كتاب معروف مشهور اسمه السنة، يعني في الاعتقاد توفى سنة 399هـ اختصر تفسير يحيى بن سلام بحذف المكررات، وحذف بعض الأحاديث والآثار، وزاد فيه بعض الزيادات فيما لم يفسره يحيى بن سلام وعامة ذلك في اللغة والإعراب، وتوجيه القراءات، وكما ذكرت تفسير يحيى بن سلام فيه بعض الأشياء اللغوية والإعرابية لكنه أضاف إعرابات كثيرة وقضايا لغوية كثيرة مقارنة بما ذكره يحيى بن سلام، وتكلم عن القراءات ووجهها وأبقى أسانيد يحيى بن سلام لم يحذفها، وميز الزيادات التي زادها عن الأصل بقوله: قال يحيى، قال محمد، إذا قال يحيى يعني ابن سلام، وإذا قال محمد يعني ابن أبي زمنين، وهذا جيد، ويؤخذ على الكتاب ذكر بعض الإسرائيليات المنكرة من غير تعليق عليها، وذكر بعض الأحاديث الضعيفة، ويكثر من الرواية عن محمد بن السائب الكلبي وهو متهم بالكذب، إضافة إلى التوسع بدعاوى النسخ، وذكر الروايات التي لا تصح، وهذا موجود في الكتاب، وهو تفسير سهل ومختصر لا يخوض في الخلافات، ويشير إلى قضايا النسخ: الناسخ والمنسوخ، والمكي والمدني، والعام والخاص، وأسباب النزول وغير هذا مع كثير من قراءات السلف، وقراءة الصحابة والتابعين مع ذكر القراءات السبعية والعشرية، يعني يذكر المتواتر وغير المتواتر، وينقل عن أئمة اللغة  كأبي عبيد القاسم بن سلام، والخليل بن أحمد الفراهيدي والزجاج وأمثال هؤلاء، والكتاب مطبوع.

ومن كتب التفسير بالمأثور حسب التسلسل التاريخي من هذه الكتب التي وصلت إلينا تفسير الأمام عبد الرزاق الصنعاني المتوفى سنة211هـ، وهو مطبوع في ثلاثة مجلدات كالكتب التي يصفها الكاتبون في مناهج المفسرين: كان الغالب قبل ابن جرير على الكتب المتقدمة هو السرد والرواية دون التعليق والترجيح، والكلام على قضايا أخرى كالقضايا اللغوية وغيرها مما يضيفه المصنف، هذه الكتب في الغالب، وهذا غير مسلم لهم، والعادة أن هؤلاء الذين يكتبون في مناهج المفسرين يقولون: إن أول من جاء بهذه الطريقة يضيف إلى الرواية ويرجح هو ابن جرير، لكن الصحيح أن ابن جرير -رحمه الله- مسبوق، وإن كان كتابه هذا لا نعلم نظيراً له من المصنفات في التفسير، وتفسير الإمام عبد الرزاق -رحمه الله- هو على هذه الطريقة التي يصفها من يكتبون في مناهج المفسرين في كتب المتقدمين هو مجرد سرد للروايات بالأسانيد، وعبد الرزاق الإمام الكبير من شيوخ الإمام أحمد -رحمه الله، هذا الكتاب مع كونه من الكتب المسندة التي تذكر الروايات دون ترجيح، ودون تمييز للصحيح أو الضعيف، بل دون تعليق على الرواية؛ لأنه على القاعدة المعروفة من أسند فقد برئ، هو يذكر الإسناد فعليك أن تحقق الإسناد فهذا الإسناد فيه الروايات الصحيحة، وفيه الروايات الضعيفة، مع كونه كذلك فليس من الكتب المتوسعة في التفسير، أو في ذكر المرويات في التفسير، فالمرويات التي توجد فيه لا تقارن بالمرويات الموجودة مثلاً في تفسير ابن جرير الطبري، هي أقل بكثير، ولذلك تجد تفسير القرآن كاملاً في النسخة المطبوعة ثلاثة مجلدات، وهو في المخطوط جزء واحد لربما يبلغ ما يقرب من250 صفحة، فهو كتاب ليس كبيراً، ومن الكتب التي سارت على هذه الطريقة في الرواية كتاب يقال له: "الواضح في تفسير القرآن الكريم" لأبي محمد بن عبد الله بن محمد بن وهب المتوفى سنة 108هـ، ومرويات هذا الكتاب كلها عن ابن عباس -ا، ورواه المصنف بإسناده، وهذا الإسناد من طريق محمد بن مروان عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس، وهذا الإسناد من الأسانيد التي لا تثبت ولا تصح بحال من الأحوال، وليس فيه روايات أخرى عن بقية الصحابة، فيه روايات عن التابعين عن ابن عباس من هذا الطريق فقط، مع العلم أن الروايات عن ابن عباس جاءت من طرق متعددة منها ما هو صحيح، ومنها ما هو ضعيف، لكن هذا الكتاب من طريق محمد بن مروان عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس وهو مطبوع في مجلدين، والمرويات التي فيه ليست كثيرة ربما تجد في الآية رواية واحدة أو روايتين.

ومن أجلّ التفسير بالمأثور كتاب "جامع البيان" لكبير المفسرين أبي جعفر محمد بن جرير الطبري المتوفى سنة 310هـ، وهذا الكتاب مشهور معروف متداول من أجلّ الكتب وأنفعها، وكلام العلماء في بيان مزايا هذا الكتاب وفي بيان قدره كلام مشهور، ومن ذلك قول السيوطي عنه: إنه أجل التفاسير وأعظمها، فإنه يتعرض لتوجيه الأقوال، وترجيح بعضها على بعض، والإعراب، والاستنباط، فهو يفوق في ذلك على تفاسير الأقدمين، وقال عنه النووي -رحمه الله: أجمعت الأمة أنه لم يصنف مثل تفسير الطبري، وقال عنه أبو حامد الإسفرايني: لو سافر رجل إلى الصين حتى يحصل على كتاب تفسير محمد بن جرير لم يكن ذلك كثيراً، وقال عنه شيخ الإسلام تقي الدين ابن تيمية -رحمه الله: أما التفاسير التي بأيدي الناس فأصحها تفسير ابن جرير الطبري، فإنه يذكر مقالات السلف بالأسانيد الثابتة، وليس فيه بدعة، ولا ينقل عن المتهمين كمقاتل بن بكير والكلبي، وجاء في الميزان أن ابن خزيمة -وهو إمام الأئمة كما يلقب بذلك- استعار تفسير ابن جرير من ابن خالويه فرده بعد سنين، قال: نظرت فيه من أوله إلى آخره فما على أديم الأرض أعلم من ابن جرير"[2]، هذه شهادة من ابن خزيمة، وقال عنه الإمام ثعلب إمام النحو اللغوي من أصحاب الإمام أحمد: قابلت هذا التفسير من أوله إلى آخره فما وجدت فيه حرفاً خطأ في نحو أو لغة، وهذا الكتاب جاء في معجم الأدباء عن أبي بكر بن بالُويه قال: قال لي أبو بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة بلغني أنك كتبت التفسير عن محمد بن جرير أملاه على تلامذته يقول قلت: نعم، قال في أي سنة؟ قلت: في سنة ثلاث وثمانين إلى سنة تسعين، كم سنة سبع أو ثمانٍ؟ أحسب ثماني سنوات إذا حسبت، شيء ليس بالسهل كتاب مثل هذا، كم يجلس الناس يؤلفون رسالة في الماجستير؟، وحجم الكتاب الأصلي كما جاء في الطبقات الكبرى لابن السبكي أن ابن جرير يقول لأصحابه: أتنشطون لتفسير القرآن؟ قالوا: كم يكون قدره؟ فقال: ثلاثون ألف ورقة، قالوا: هذا لربما تفنى الأعمار قبل تمامه، فقال: ضعفت الهمم، فاختصره في نحو ثلاثة آلاف ورقة من ثلاثين ألفاً، بنسبة واحد إلى عشرة، وهذا الكتاب يذكر الروايات بالأسانيد، وقلّ أن يتكلم على هذه الروايات بتعقيب أو انتقاد من جهة الكلام على الرواية، ومن عادة ابن جرير -رحمه الله- أنه يذكر المعنى الإجمالي في البداية، وهذا من محاسن هذا التفسير: المعنى العام، ثم بعد ذلك إذا كانت الرواية فيها أقوال يذكر الخلاف، ويذكر من قال ذلك، ثم يسرد الروايات سرداً، ثم بعد ذلك يقول: وقالت طائفة، وقال آخرون: إن المعنى كذا وكذا، ثم يقول: ذكْر من قال ذلك ويسرد الروايات، ثم يأتي بالقول الثالث، ثم يسرد المرويات عنهم، وفي هذه الروايات الصحيح والضعيف ثم بعد ذلك يرجح، وهو حينما يريد أن يرجح يقول: قال أبو جعفر، فإذا رأيت قال أبو جعفر فمعناه الآن بدأ يتكلم ويذكر لك ترجيحه مضمناً لكثير من التأصيل والتقعيد، فهو من الكتب العظيمة التي تبني طالب العلم؛ الكتاب فيه الكثير من المرويات عن النبي ﷺ وأقوال السلف، وفيه ذكر القراءات، ويذكر قضايا تتعلق بالإعراب، يعني يعرب ما يحتاج إلى إعراب، ويرجح بين الأقاويل، ويذكر عند ذلك الشواهد من العربية، ويتكلم عن قضايا اللغة ومعاني الألفاظ، ويتحدث عن الأحكام الفقهية من غير توسع بحيث لا يكون ذلك غالباً على الكتاب، كما أنه يذكر القضايا المتعلقة بالاعتقاد، والمؤلف -رحمه الله- كان على عقيدة السلف الصالح ، مع أنه كثيراً ما يستند إلى الإجماع حتى إن لاح له معنى فإنه يبين أنه تركها على هذا المعنى لإجماع الحجة كما يعبر كثيراً، أو أنه لا يستجيز سوى المعنى المذكور، لإجماع الحجة عليه وقد تجد قبل هذا وبعده أنه ذكر قولاً يخالف هذا القول الذي ذكر عليه إجماع الحجة، فلا يُستغرب، ولا يقال: سرعان ما نسي أو ناقض نفسه، كيف يقول: هو إجماع ثم يذكر قولاً قبله أو بعده يخالف هذا الإجماع؟ هو له اصطلاح خاص في الإجماع حيث يطلق الإجماع على القول الأكثر، يقصد به قول أكثر العلماء كما نعبر ونقول: قول الجمهور يسميه إجماعاً، ولا مشاحة في الاصطلاح، فكثيراً ما يردّ بعض المعاني ويقول هذا القول لا نستجيزه؛ لأنه خلاف إجماع الحجة، وتجد بعض الروايات الإسرائيلية في الكتاب، وكثيراً ما يذم الرأي الذي لا يستند إلى دليل، أما التقعيد فكثير جداً، يقول مثلاً هذا القول يرتضيه مثلاً أو يردّ قولاً من الأقوال بأن هذا ظاهر القرآن، ولا يجوز خلاف ظاهر القرآن إلا بدليل يجب الرجوع إليه، وتجده يقول مثلاً: لا يجوز حمل معاني القرآن على المعنى النادر في الاستعمال، وإنما يحمل على المعنى المشتهر، فهذه قواعد يذكرها أثناء الترجيح، فهذا من الكتب التي إذا أراد طالب العلم أن يبني نفسه، وأن يقرأ كُتباً تنمي عنده الملكة في التفسير، وأن تكون دراسته مؤصلة فعنده مثل هذا الكتاب في كتب التفسير، وتفسير ابن كثير، وتفسير أضواء البيان، وما جمع من كلام ابن القيم فإنه في غاية الجودة والمتانة، وما جمع من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية، فهذه خمسة كتب في التفسير تبني طالب العلم إذا أراد أن يقرأ ويعرف وجوه الترجيح، وكذلك كُتب الشاطبي خاصة "الموافقات" و"الاعتصام"، فهذه كتب تقعد، ولا يكفي مجرد الحفظ للأقوال فمهما قرأنا في التفسير سيُنسى ولو قَرأ كثيراً من الكتب في التفسير، لكن إذا قرأ كتباً تؤصل فإنه يبقى عنده الأصول والقواعد، والضوابط وتنمو ملكته ويكون له ذوق في التفسير هذا هو المهم، فينبه على بعض الانحرافات في التفسير الذين مثلاً يقتصرون على تفسير القرآن باللغة بعيداً عن أسباب النزول، بعيداً عن ملابسات النزول، كما يفعل بعضهم كأبي عبيدة معمر بن المثنى، ويبين أن هذا خطأ وانحراف في التفسير، وهذه أمثلة لمن يعتمد ظاهر القرآن، ولا يحيد عنه إلا لدليل، ويرد على من يؤول الآيات من غير دليل يقول: كُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِينَ [سورة البقرة:65] يقول مجاهد: مسخ معنوي، فيرد عليه ويقول: الظاهر أنهم مسخوا فعلاً قردة، والقضايا التي لا فائدة فيها مما يشتغل به كثير من المفسرين يقول لك مثلاً: سفينة نوح ﷺ من أي خشب كانت؟ تجد روايات كثيرة، كم كان طولها؟ كم كان عرضها؟ كم عدد الطوابق؟ كم رست؟ مَن أول من ركب فيها؟ من آخر واحد ركب فيها من الحيوانات مثلاً؟ كيف اجتمعت لنوح ﷺ هذه الأشياء؟ إبليس أين كان؟ هل ركب السفينة أو ما ركب؟ وإن كان ركب كيف ركب؟ يقولون: تعلق بذيل الحمار، والحمار كان يحاول أن يركب ولا يستطيع؛ لأن إبليس كان متعلق بذيله، وكلما حاول الركوب يعجز حتى أذن نوح ﷺ، فركب الحمار وإبليس متعلق في ذيله، وهذا الكتاب مبني على إسرائيليات وأكاذيب لا قيمة لها، ويذكرون أشياء عجيبة ومتناقضة، وما ذكر في المائدة التي أنزلها الله على بني إسرائيل أقوال متنافية، مثلاً الأشياء التي قيلت عن عرش ملكة سبأ أشياء عجيبة جداً، وغير صحيحة إطلاقاً، وكذلك عدد أصحاب الكهف مما لا يمكن أن يكون ذلك صواباً، وهذه القضايا أصلاً لا فائدة فيها، ولا ينبغي الاشتغال بها، ولو كان لها فائدة لبين ذلك القرآن فينبغي الإعراض عنها، وهذا التفسير له مختصرات، ومنها مختصرات تُعنى بجانب معين هي قضية المفردات لابن جرير، كابن صمادح محمد بن صمادح التجوبي الأندلسي المتوفى سنة 484هـ سماه مختصر غريب القرآن للطبري مطبوع على هامش المصحف، ومن المختصرات أيضاً "مختصر الطبري من كتابه جامع البيان عن تأويل آي القرآن" كتبه أو جمعه اثنان دكتور بشار عواد معروف، والدكتور عصام الحرستاني، ومقصودهم بهذا العنوان الذي هو تفسير الطبري أنهم جاءوا بكلام الطبري الذي تكلم فيه مختاراً للمعنى مبيناً له، بمعنى أن ابن جرير يذكر المعنى الإجمالي في البداية فجمعوا هذا المعنى الإجمالي بعد كل الآيات، وضعوه وذكروا كلامه في الترجيح، وما يخالف به القراءة المشهورة قراءة حفص، إذا كان يرجح قراءة أخرى اختارها، يذكرون هذا، وكذلك قضايا النسخ ، وأيضاً له جمل وعبارات في الترجيح، ذكروا هذه الأشياء مع ذكر الأقوال في كثير من الأحيان، يعني قالت طائفة كذا، وقالت طائفة كذا، وأهملوا الأقوال البعيدة، والأقوال المطروحة تركوها، فجاء هذا كله في سبعة مجلدات تقريباً، هذا لمن قصد أن يقرأ كلام ابن جرير وطريقة ابن جرير في الترجيح والاختيار والتأصيل يمكن أن يقرأ هذا، وهو واضح وسهل بإذن الله لا يشكل على من قرأه، بل لربما لو قُرئ على جماعة المسجد لن يكون هناك إشكال، سيفهمونه غالباً، ولو أنهم اقتصروا على المعنى الإجمالي فقط لكان أسهل تناولاً، ولكان من جملة كتب التفسير الإجمالي مثل تفسير ابن سعدي لكن فيه فرق في العبارة، عبارة ابن جرير حسب عصره، يعني هي تشبه عبارة ابن قتيبة بل لربما لو قرأها بعض الناس قد يستغرب منها في طريقة الضمائر، والتقديم والتأخير، والتعبير في بعض الألفاظ، وأحياناً تشعر بالكلام كأنه غير منتظم تماماً بطريقة؛ لأن كتاب ابن جرير حقق أجزاءً منه الشيخ محمود شاكر وأعانه على التخريج أخوه أحمد شاكر على تفاوت في الأجزاء، الأجزاء الأولى أكثر ثم بعد ذلك قل عمله، ثم بعد ذلك ضعف، صار يراجع لأخيه بعض الأشياء، الشيخ محمود شاكر لغوي وأديب وكان يطرب لما يقرأ كلام ابن جرير ويتذوقه وشديد الإعجاب به فكان يضع علامات الترقيم فسهّل كثيراً من كلام ابن جرير فأحياناً يضع الشرطة الواحدة التي تدل على أن هذا الكلام مرتبط بالكلام الذي قبله بعد شيء من توسع، ثم يرجع ويقرر المسألة إلى غير ذلك من الأنواع، والذين اختصروه استفادوا من عمل الشيخ محمود شاكر من علامات الترقيم، وضبط الألفاظ، وكذلك طبعة هجر، استفادوا الطبعة الكاملة لابن جرير، فأفضل خدمة قدمت للكتاب هي عمل الشيخ محمود شاكر لكنه لم يكمله، والطبعة الكاملة التي طبعت أخيراً طبعة دار هجر التي أشرف عليها الدكتور عبد الله التركي خدمت إلى حد كبير، لكن هذا المختصر هذه مزيته لو أن الإنسان أراد أن ينظر في طريقة ابن جرير في الترجيح والاختيار فيمكن أن يقرأ هذا المختصر، وبعض الناس يقول: إن تفسير ابن جرير هذبه ابن كثير وجاءنا بالخلاصة، وهذا كلام من لا يعرف تفسير ابن جرير، ولا تفسير ابن كثير، فتفسير ابن كثير كتاب مستقل تماماً عن تفسير ابن جرير، ليس بمختصر ولا تهذيب، فهو كتاب آخر من كتب التفسير بالمأثور، وتفسير ابن جرير يعتبر من الكتب الأصلية يعني من الأمهات في التفسير في علم الرواية، وكذلك في الأبواب الأخرى في الترجيح، والتقعيد، والقضايا اللغوية، وما أشبه ذلك، ومن كتب التفسير أيضاً كتاب آخر اسمه تفسير القرآن لأبي بكر محمد بن إبراهيم بن المنذر صاحب كتاب الإجماع، الإمام المشهور المتوفى سنة 318هـ، وهو من الكتب المفقودة، وهو من كتب التفسير بالمأثور، ويعتبر أيضاً من الكتب التي تُعنى بالرواية سرداً من غير أي تعليق بالأسانيد، وقبل سنين في حدود سنة ألف وأربعمائة –تقريباً- وثمانية ظهر فهرس في تلك الأيام في كتب كثيرة جداً قالوا: هذا فهرس مكتبة جوتة في ألمانيا الشرقية، وهذا الفهرس فيه الكتب العظيمة ومنها تفسير ابن المنذر، وفيه كتب في التفسير، وفي الحديث وفي غيره، وتفسير ابن حميد بخط ابن حجر، وخط ابن تيمية، ولم أستطع أن أقرأ أكثر من ورقتين من هذا الفهرس، والشيخ حماد الأنصاري -رحمه الله- سماه مسيل اللعاب، وذهب بعض الباحثين إلى جوتة وبحثوا عن هذه المكتبة فوجدوا مكتبة صغيرة فيها كتب في ألمانيا الشرقية، ولم يجدوا أثراً لهذه الكتب التي تذكر وسألوا وقالت لهم المشرفة على المكتبة: توجد مكتبة أخرى في مكان آخر لم يجدوه، لكن عثر بعد ذلك في ألمانيا الشرقية على قطعة من هذا التفسير، رأيتها قليلة ليست كثيرة حققها أحد الإخوان، وطبعت في مجلدين قبل سنوات من آية لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ [سورة البقرة:272]، إلى قوله: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلاَّ خَطَأً وَمَن قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ [سورة النساء:92]، وتفسير ابن المنذر يعتبر من الكتب التي تُعنى بالرواية لكن إذا قارنت بين الروايات الموجودة فيه، والروايات الموجودة في تفسير ابن جرير، تجد أن تفسير ابن جرير أكثر بكثير لكن تبقى المرويات بالنسبة لهذا الكتاب لا تقارن بمثل تفسير عبد الرزاق، أو تفسير ابن وهب وأمثال هؤلاء، فيبقى أنه مصدر من المصادر المهمة في التفسير بالمأثور لو وجد، وكذلك لو وجد تفسير ابن مردويه، ومن الكتب في التفسير بالمأثور "تفسير القرآن العظيم" لعبد الرحمن بن محمد بن إدريس بن أبي حاتم المتوفى سنة ثلاثمائة وأربع وعشرين، وهذا الكتاب وُجدت أجزاء منه، وحقق في جامعة أم القرى، جميع الأجزاء برسائل، ثم بعد ذلك لم يتفقوا على طريقة في إخراج الكتاب، وحذف المقدمات ،والمكررات في التراجم والهوامش،فخرج على هيئة رسالتين هما اللتان طبعتا، وبعد ذلك خرج في طبعة تجارية في عشرة مجلدات، والكتاب فيه خروم، ونواقص في بعض المواضع، وحاول الذين أخرجوه أن يكملوا النواقص قدر الإمكان ممن ينقلون عن أبي حاتم، مثل تفسير ابن كثير، والعجيب أن ابن كثير -رحمه الله- إذا نقل عن أبي حاتم في كثير من الأحيان يذكر ذلك بالإسناد فجاءوا بهذه المرويات، وكذلك ما في كتاب الدر المنثور للسيوطي من المرويات، ففيه مرويات كثيرة من طريق أبي حاتم فجمعوها ووضعوها في أماكن النواقص، وكملوا قدر المستطاع فظهر الكتاب في عشرة مجلدات، وهذا يعتبر من الكتب الأصيلة المهمة فهو يسرد الروايات فقط من غير تعليق عليها، ولا يبين الصحيح من غيره، وإنما يسردها سرداً، وهو كتاب يتوسع في ذكر الرواية، لكن تأتي أهمية الكتاب من جهة أنه مسند ومن جهة كثرة ما حواه من المرويات، ومن الكتب أيضاً "الكشف والبيان عن تفسير القرآن" لأحمد بن محمد الثعلبي المتوفى سنة أربعمائة وسبعة وعشرين، وقيل أربعمائة وسبعة وثلاثين فهو كتاب واسع وقد طبع أخيراً وهو في نسخته الخطية المخطوط في اثني عشر مجلداً في رسائل جامعية كثيرة، وهذا الكتاب ليس بمنزلة الكتب التي قبله من ناحية الجمع؛ لأنه مولع بهذا الجمع لاسيما ذكر القصص والأخبار والإسرائيليات، فكل خبر أو قصة أو حادثة لم تجدها في شيء من المصنفات في التفسير فارجع إلى تفسير الثعلبي فقد تجدها فيه، فهو لا يميز بين الغث والسمين، والمكذوب، المهم أن يحشد قدراً ممكناً من هذه الأخبار والمرويات ويذكر أسانيده في ذلك، هذا الكتاب الواسع اختصره إمام من الأئمة وهو أبو محمد الحسين بن مسعود البغوي، الإمام البغوي صاحب كتاب أهل السنة وهذا التفسير "معالم التنزيل الذي يسمى بتفسير البغوي" المتوفى سنة 516هـ، جرده من الأحاديث الموضوعة والمكذوبة والآراء المخالفة لعقيدة أهل السنة والجماعة، وشيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- سئل عن هذا التفسير، وعن تفسير القرطبي والزمخشري فاعتبر هذا الكتاب أسلم هذه الكتب من البدع، ومن هذه الأحاديث الضعيفة، فيه روايات ضعيفة لكنه حاول أن يجرده منها، وحذف الأسانيد التي يذكرها الثعلبي، لكنه ذكرها في المقدمة إلا إذا روى عن أحد من طريق آخر غير ما ذكره في المقدمة، فإذا روى بإسناد غير أسانيده التي في المقدمة -طريق آخر- يذكر الإسناد، وفيه روايات عن الكلبي وأمثال الكلبي من الضعفاء، وإذا ذكر القراءات فإنه يذكر القراءات المتواترة فقط، ولا يذكر الشواذ، وتجد فيه القضايا اللغوية والإعرابية قليلة، وهذا الكتاب يعتبر إلى الاختصار أقرب، ولذلك كان متداولاً عند العلماء في هذه البلاد، يُقرأ كثيراً على الشيوخ، ويدرسونه في المساجد، وهو من هذه الناحية يعتبر أخصر من ابن كثير، وعلى عقيدة أهل السنة، وتفسير ابن كثير ربما يتعب طلاب العلم في قراءته إذا كان ككتاب يدرس تعليمياً؛ لكثرة الروايات و تشعبها، والتكرار أحياناً، وكان يمكن الاكتفاء ببعض هذه الروايات، ولذلك كان الذي يدرس في الكثير من الأحيان تفسير البغوي لهذا السبب، لكن الآن حينما ظهرت بعض المختصرات الجيدة لابن كثير مثل اختصار أحمد شاكر، و"المصباح المنير" فهذه يمكن أن تقرأ في المساجد لطلاب العلم، ويعلق عليها وتشرح؛ لأنه حُذف منها تكرار الروايات، وكذلك حاولوا أن يجردوها من الروايات الضعيفة، ويوجد في تفسير البغوي بعض الروايات الإسرائيلية من غير تعقيب، وفي بعض الأحيان يورد بعض السؤالات والإشكالات ويجيب عنها، ينقل الخلاف عن السلف في التفسير ولا يرجح، فتفسير البغوي هو عبارة عن اختصار للثعلبي، والخازن اختصار للبغوي، اختصر البغوي وحذف الأسانيد، وبدّل ما كان البغوي ذكر في أول الكتاب أسانيده، الخازن عزا الأحاديث إلى مخرجيها من أصحاب الكتب المعروفة المشهورة مثل كتب الصحاح والمسانيد، والسنن، والمعاجم وما أشبه ذلك برموز تشير إليها، وإذا انفرد البغوي بشيء -يعني بهذه المرويات- عزاه إليه بسنده، إذا كان بإسناد الثعلبي، قال روى البغوي بإسناد إلى الثعلبي، ويذكر بعض غريب الحديث، ويذكر بعض الفوائد التي زادها من كتب التفسير، ينقل نقولات يستحسنها لكن من غير أن يناقشها، ومن كتب التفسير بالمأثور تفسير الإمام ابن كثير "تفسير القرآن العظيم" لعماد الدين وأبي الفداء إسماعيل بن كثير المتوفى سنة 474هـ، طريقة ابن كثير يُكثر من تفسير القرآن بالقرآن، ويذكر التفسير بالسنن عن النبي ﷺ والآثار عن الصحابة فمن بعدهم، ويتكلم عن بعض الروايات، ويناقشها، ويُعنى بالترجيح بين الأقوال ويختار، وأحياناً يذكر الأقوال من غير ترجيح، وينبه في كثير من الأحيان على المرويات الإسرائيلية، ويشير إلى الأحكام الفقهية من غير توسع، ويذكر في القراءات، وله مختصرات كثيرة، من أجود هذه المختصرات اختصار الشيخ أحمد شاكر وهو عمدة التفسير قد طبع منه خمسة أجزاء في مجلدين قديماً، ثم بعد ذلك ظهرت قبل سنوات بقية الكتاب، إذ طبع بكامله في نحو أربعة مجلدات كبار، وذكر الذين طبعوه أنهم وجدوا نسخة الشيخ أحمد شاكر في بقية التفسير قد ضرب على الأشياء التي يريد أن يحذفها باللون الأحمر، فجاءوا وأخرجوا ما لم يضرب عليه وطبعوه، وظهر الكتاب بهذا الاعتبار كاملاً، ويمكن أن نقول: إن هذه كانت بداية عمل للشيخ أحمد شاكر -رحمه الله- وبعد ذلك توفي، ولهذا ما خرج، وإلا فقد كان الشيخ أحمد شاكر -رحمه الله- يخرج ما يكتبه في حياته قبل أن يكتمل، ومن المختصرات المصباح المنير وهو مشابه إلى حد كبير جداً لاختصار الشيخ أحمد شاكر، كلاهما حاول أن يحذف المكررات، والمرويات الضعيفة يعني من المرفوع أما الموقوف فلو حقق لكان هذا أفضل، لكن هذا يحتاج إلى جهد كبير، فالشاهد أن تبقى مسألة التصحيح والتضعيف قضية اجتهادية، والذين حاولوا تجريده من المرويات الإسرائيلية -مع أنه توجد بعض الأشياء- حافظوا على عبارة ابن كثير، ويبقى كل عمل يمكن أن يستدرك عليه، ولذلك تجد في بعض الأشياء أحياناً تكراراً، لأنه لو حذف هذه الرواية قد يُعتقد أن هذه الرواية ضعيفة، وقد تجد بعض النقص يعني ابن كثير فسر مثلاً هذه الجملة من الآية فينسى المختصِر، قد يصيبه ذهول فيترك هذا الجزء أحياناً لكنه قليل، ففي المصباح المنير مثلاً تجد ابن كثير ذكر قولين أو ثلاثة أقوال ولم يرجح، وتجد المختصر يذكر قولاً واحداً منها من عدة أقوال ذكرها ابن كثير -رحمه الله- ولم يرجح، وكان الواجب على المختصر أن ينبه على هذا، أو يذكر هذه الأقوال باختصار، وأحياناً مثلاً في" المصباح المنير" قد تجد اختصار العبارة فيه تسعف، يعني لا يتضح مراد ابن كثير من هذه العبارة، وكان الأولى أن يكتفي بنقل كلام ابن كثير حتى يتضح مراده -رحمه الله، وهذا عمل بشري والكمال لله ، والعبرة بما غلب، وهو اختصار جيد ومفيد.

وهذا الكتاب "تفسير ابن كثير" طبع طبعات كثيرة جداً، وانتشر انتشار الشمس، ويمكن أن يكون مصدراً للتجارة لدى كثير من الطابعين، فطبع هذا الكتاب بتحقيق عبد العزيز غنيم وزملائه، اعتمدوا على نسخة الأزهر، والنسخة الأزهرية فرغ منها الناسخ سنة 825هـ، يعني بعد وفاة المؤلف بخمسين سنة، وهذه النسخة كما ذكر المحققون أدق النسخ، وهي النسخة الأولى، والحافظ ابن كثير -رحمه الله- حينما كتب تفسيره كان يعيد ويحذف عبر السنتين، ويضيف بعض الإضافات، ولذلك الذي يحقق ذلك الكتاب لربما يظن أن هذا من باب زيادة النساخ، أو السقط أو نحو ذلك فهذه النسخة الأولى، والمؤلف زاد عليها بعض الزيادات بعد ذلك، ولذلك لو قارنا بين بعض المطبوعات مثلاً ستجد تفاوتاً، أحياناً تجد زيادات أربعة أسطر أو خمسة أسطر، وتوجد في بعضها نقولات عن الزمخشري وغيره، وهذا مما يُصعّب حقيقةً التوحيد بين النسخ، فالنسخة الأزهرية هي النسخة الأولى وما بعدها أضاف فيها المؤلف زيادات من الزمخشري والقرطبي والرازي، والشيخ أحمد شاكر -رحمه الله- أثنى على هذه النسخة، وهم أيضاً رجعوا إلى مصادر ابن كثير التي نقل منها، وقابلوا عليها، وألحقوا بكل مجلد تسعة فهارس، يعني للسورة فهرس، هناك فهرس موضوعي، وفهرس للأعلام، وفهرس للغريب، وفهرس للشعر، وفهرس للبلدان، وفهرس للقبائل والموضوعات، مطبوعة، اسمها طبعة الشعب وهي من أحسن الطبعات، هناك مصورة لدار المعرفة في بيروت سنة 1402هـ لا يوجد عليها أي معلومات، وطُبع أجزاء منها بتحقيق الشيخ أبو إسحاق الحويني اعتمد فيها على عدة نسخ من ذلك نسخة من مكتبة الأوقاف في بغداد كتبت سنة 759هـ في حياة المؤلف في عشرة مجلدات، حصل منها على ثلاثة أجزاء فقط، الرابع، والتاسع، والعاشر، ونسخة أخرى في حياة المؤلف حصل منها على مجلد واحد وهو السادس، ونسخٌ أخرى في حياة المؤلف حصل على مجلد واحد هو الأول، نسخة الأزهرية، ولم يتمكن من تصويرها كاملة، فرجع على طبعة الشعب التي اعتمدت عليها النسخة الوحيدة الكاملة التي عنده، وهناك طبعة أخرى طبعة دار الصديق، مؤسسة الريان بلبنان الطبعة الأولى 1425هـ، بتحقيق مازن البحصلي البيروتي، جمع بعض أحكام الألباني -رحمه الله- على الأحاديث، إضافة إلى أحكام بعض المتقدمين والمتأخرين كالإمام أحمد، وابن معين، وابن حبان، والبخاري، وابن الجوزي، وابن حجر، والذهبي، ولم يحقق النسخة الخطية، وهذا أهم شيء، وإنما اعتمد على طبعة أولاد الشيخ للتراث في القاهرة، وهذه الطبعة اعتمدوا فيها على نسختين خطيتين كاملتين، وأثبتوا الفروق بالهامش مع التخريجات، ويقول: إنه أخرج الكتاب واشتغل عليه في سنة ونصف، وهذه لا تعتبر من النسخ المحققة، لا تحقيق روايات، ولا تحقيق نسخة خطية، وهناك طبعة أخرى طبعة المكتبة التوفيقية في مصر قال: تعليق وتخريج: هاني الحاج، وخرجت الأحاديث على كتب الألباني، وأسباب النزول من الصحيح المسند للوادعي، والصحيح المسند للشيخ مقبل الوادعي جزء صغير، بحث في السنة الرابعة سنة التخرج من الجامعة الإسلامية، اشتملت على القليل من الصحيح في أسباب النزول، ونقل فوائد من كتب الألباني، وابن عثيمين، وبكر أبي زيد -رحم الله الجميع، أيضاً من طبعات هذا الكتاب طبعة مكتبة الصفا سنة 1424هـ، واختصر تفسير ابن كثير وذكر تعليقات للشيخ الألباني -رحمه الله- قالوا: إنهم اختصروا الأسانيد، وحذفوا الأسانيد الضعيفة، وقالوا هنا: إنهم نقلوا تعليقات من ابن سعدي، وهذا لا يعتبر من النسخ المحققة.

والنسخة المحققة التي يعتمد عليها طالب العلم طبعة لدار ابن حزم في بيروت الطبعة الأولى 1423هـ، ولا يوجد أي تفاصيل أو معلومات أو تعليقات عن هذه الطبعة، وهي تعتبر جيدة من حيث النص أشبه ما تكون بطبعة مكتبة أولاد الشيخ، لكن يوجد بعض الفروقات القليلة، وتوجد أيضاً طبعة دار الفجر للتراث في القاهرة تحقيق: حامد أحمد الطاهر الطبعة الأولى 1423هـ، هذا خرج الأحاديث من الكتب الستة، وأحمد، واعتمد في أحكامه على الألباني، والشيخ أحمد شاكر، والأرنؤوط، وكتبَ على الغلاف هذه النسخة موافقة لطبعة الشيخ الألباني، وهذا كلام تجاري، ولا تعتبر طبعة الشيخ الألباني أفضل طبعة.

وهناك طبعة دار ابن كثير في بيروت، الطبعة الأولى 1415هـ، كُتب عليها: مصححة ومنقحة ومضبوطة بالشكل، ومقابلة على أصول ونسخ معتمدة، ولا يوجد أي صور للمخطوطات المعتمدة، ولا هوامش ولا أي معلومات إطلاقاً، وطبعة دار طيبة يمكن أن يقال: إنها أفضل طبعات تفسير ابن كثير من ناحية التحقيق والعناية بها، طبعت أكثر من طبعة بإخراج أول، ثم بعد ذلك صار فيها استدراكات، وجاءت مراسلات للمحقق واستدرك بعض الأشياء تحقيق: سامي السلامة الإصدار الأول خرج في طبعتين طبعة 1418هـ، و1420هـ، والإصدار الثاني الطبعة الأولى 1422هـ، والطبعة الثانية 1425هـ، هذا قابلها على نسخة خطية كاملة، وعشر نسخ تستوعب بمجموعها التفسير، واعتمد أيضاً على طبعة الشعب بالنسبة للنسخة الأزهرية، ما حصل عليها يعني ما مكنوه منها، لكن اعتمد على طبعة الشعب؛ لأنها معتمدة عليها مجموع النسخ الخطية 15نسخة، وعلى المطبوع اعتمد على طبعتين، فهذه التي يُنصح باقتنائها، وهناك طبعة دار الراية تحقيق: الشيخ مقبل الوادعي، وهذه ليست تحقيقاً للنص الخطي، يعني نص الكتاب النسخة الخطية أو نص المؤلف وإنما هي تحقيق اعتمد على المطبوعات، وفي هذه الطبعة أخطاء كثيرة، ولم يخرج منها إلا جزء واحد، وطبعة مكتبة أولاد الشيخ طبعة سليمة وجيدة، وحينما كانت طبعة الكتاب -قبل هذه الطبعات المخدومة المعتنى بها- هناك طبعة الشعب تجد أشياء في طبعات أخرى ليست في طبعة الشعب عند المقارنة، قبل ظهور طبعة مكتبة أولاد الشيخ، وطبعة دار طيبة، فتوجد في بعض الطبعات الأخرى نصوص ليست موجودة في طبعة الشعب، والسبب في هذا أن ابن كثير -رحمه الله- كان يزيد في كتابه ويضيف إليه، ولا نستطيع أن نقول: إنه حذف بعض الكلام، والشاهد أن الإنسان يضيف ويحذف في الكتاب إلى أن يموت. ومن الكتب في التفسير بالمأثور كتاب "الدر المنثور" للسيوطي المتوفى سنة 911هـ، وهذا الكتاب مختصر لكتاب آخر مسند للسيوطي، وقد ذكر في الإتقان جمعت كتاباً مسنداً فيه تفاسير النبي ﷺ فيه بضعة عشر ألف حديث، ما بين مرفوع وموقوف وقد تم ولله الحمد في أربعة مجلدات، وسميته "ترجمان القرآن" هذا مسند بالأسانيد، وقال في مقدمة الدر المنثور: فلما ألفت كتاب ترجمان القرآن وهو التفسير المسند عن رسول الله ﷺ وتم بحمد الله في مجلدات فكان ما أوردت فيه من الآثار بأسانيد الكتب المخرج منها واردات، ورأيت قصور أكثر الهمم عن تحصيله، ورغبتهم في الاقتصار على متون الأحاديث دون الإسناد وتطويله، فلخصت منه هذا المختصر مقتصراً فيه على متن الأثر، مصدراً بالعزو والتخريج إلى كل كتاب معتبر، وسميته بـ"الدر المنثور في التفسير بالمأثور"، وله كتاب آخر سماه "مجمع البحرين ومطلع البدرين" كتاب كبير لم يكمله، لضخامته، وكتاب الإتقان في علوم القرآن يعتبر مقدمة لكتاب مجمع البحرين ومطلع البدرين.

  1. ذكره البخاري معلقاً، في كتاب التوحيد، باب قول الله تعالى: وَكَانَ اللّهُ سَمِيعًا بَصِيرًا [سورة النساء:134]، ووصله النسائي، كتاب الطلاق، باب الظهار، برقم (3460)، وابن ماجه، كتاب في فضائل أصحاب رسول الله ﷺ، باب فيما أنكرت الجهيمة، برقم (188)، وأحمد في المسند، برقم (24195)، وقال محققوه: إسناده صحيح على شرط مسلم، تميم بن سلمة من رجاله، وبقية رجاله ثقات رجال الشيخين.
  2. لسان الميزان، للحافظ ابن حجر (5/ 102).

مواد ذات صلة