الجمعة 10 / شوّال / 1445 - 19 / أبريل 2024
بِسْمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحْمَٰنِ ٱلرَّحِيمِ الٓمٓ

المصباح المنير التسهيل في علوم التنزيل لابن جزي مجالس في تدبر القرآن الكريم مجالس في تدبر القرآن الكريم
مرات الإستماع: 0

قال المفسر - رحمه الله تعالى -: تفسير سورة البقرة.
"في مسند أحمد وصحيح مسلم والترمذي والنسائي عن أبي هريرة أن رسول الله ﷺ قال: لا تجعلوا بيوتكم قبوراً فإن البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة لا يدخله الشيطان[1]، وقال الترمذي: حسن صحيح."
فقوله هنا: البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة قد يفهم من هذا القدر - مع البناء للمجهول - أن ذلك يحصل بمجرد القراءة، سواء كان عن طريق إنسان يقرأ في بيته، أو عن طريق التسجيل؛ فإن الشيطان يفر من هذا البيت، ولا شك أن القراءة تعبد الله الناس بها، فالأكمل والأفضل أن يقرأ الناس في بيوتهم سورة البقرة، ولكن إذا حصل ذلك بالتسجيل أيضاً فيقال: لا يمنع؛ فكثير من الناس - خاصة الذين يعانون من أشياء في بيوتهم - يقولون: قد لا نتفرغ كل يوم لقراءة سورة البقرة، فإذا وضع التسجيل فإنه يكون مؤثراً في طرد الشيطان، وأثر ذلك مشاهد.

قبل أيام اتصلت إحدى النساء تقول: يوجد في بيتهم فأر كبير، يخرج من دورة المياه، ويجلس تحت سرير النوم، تقول: فوضعنا له السم فأكل منه ثم اختفى، ولم نجد له أثراً، تقول: وهذه الساعة تغطت جدران غرفة النوم بذباب كثير كبير الحجم على قدر رؤوس الأصابع ما رأيت مثله، ولا يوجد له مدخل أصلاً، ولا يوجد من قبل ذباب في بيتنا أصلاً لا صغير، ولا كبير، ولسنا في مكان زريبة أو نحو ذلك.

فقلت لها: اجلسي الآن في نفس الغرفة، وافتحي النوافذ، واقرئي سورة البقرة، فاتصلت عند العصر تقول: إن الذباب خرج بعد ما انتهيت من السورة.

ولا زلت أذكر شخصاً كان مغمى عليه أو شبه مغمي عليه؛ حيث كان فيه مسّ، وكان يشغَّل شريطاً يقرأ سورة البقرة، وكان هذا الشخص يبكي وهو نائم، ويتكلم بكلام مفاده أنه يرى الشيطان الذي يؤذيه ويصرعه، كان يراه يدور على البيت يحاول الدخول ولا يستطيع، وهو يقول لأصحابه: لا تغادروا المكان.

لقد كان الشيطان يحاول أن يدخل ويدور على السور، وكان الرجل يتكلم ويبكي وهو نائم، ويحاول مد يده يريد أن يمسك يد أحدهم، وكان يقول: لا تذهبوا عني انتظروني، وكان يسميهم بأسمائهم كل ذلك وهو مغيب عن عقله.

هذا شيء رأيته، وعلى كل حال عندنا الحديث - والحمد لله - ما يحتاج أن نرى شواهد تدل عليه.

"عن عبد الله يعني ابن مسعود قال: "إن الشيطان يفر من البيت يسمع فيه سورة البقرة"[2] ورواه النسائي في اليوم والليلة وأخرجه الحاكم في مستدركه، ثم قال: صحيح الإسناد ولم يخرِّجاه."على كل حال مثل هذا لا يقال من جهة الرأي فله حكم الرفع، فهذه الأحاديث كلها في هذا المعنى وغير هذه الأحاديث.

بعض هذه الأحاديث مثل أثر ابن مسعود هذا فيه ضعف، وعدد من الأحاديث الواردة في هذا الباب فيها ضعف، لكن بعضها ينجبر بالشواهد فترتقي إلى مرتبة الحسن، وبعضها ربما يكون دون ذلك، والله أعلم.

"وروى الدارمي في مسنده عن ابن مسعود قال: "ما من بيت تقرأ فيه سورة البقرة إلا خرج منه الشيطان وله ضراط"[3]"وهذا أيضاً من الروايات التي فيها ضعف، لكن بعض أهل العلم يجعل هذا مع غيره من قبيل الحسن، يعني أنه يتقوى بغيره، ولذلك خرجوه في هذا الكتاب.

وعلى كل حال يبقى أن أساس المعنى أو القدر الثابت هو أن الشيطان لا يمكن أن يبقى في بيتٍ تقرأ فيه سورة البقرة.
"وروي أيضاً من طريق الشعبي قال: قال عبد الله بن مسعود : "من قرأ عشر آيات من سورة البقرة في ليلة لم يدخل ذلك البيت شيطان تلك الليلة، أربع من أولها، وآية الكرسي، وآيتان بعدها، وثلاث آيات من آخرها"[4]، وفي رواية: "لم يقربه ولا أهله يومئذ شيطان، ولا شيء يكرهه، ولا يُقرأن على مجنون إلا أفاق"[5]، وعن سهل بن سعد قال: قال رسول الله ﷺ: إن لكل شيء سناماً، وإن سنام القرآن البقرة، وإن من قرأها في بيته ليلة لم يدخله الشيطان ثلاث ليال، ومن قرأها في بيته نهاراً لم يدخله الشيطان ثلاثة أيام[6] رواه أبو القاسم الطبراني وأبو حاتم وابن حبان في صحيحه، وابن مردويه."وهذا الحديث أيضاً فيه ضعف في الإسناد، ولكن الجملة الأولى: إن لكل شيء سناماً، وإن سنام القرآن البقرة ورد فيه أيضاً روايات أخرى ضعيفة عن ابن مسعود، وعن ثلاثة من الصحابة أو أربعة، وكلها لا يخلو من ضعف، ولكن بعض أهل العلم يرى أن هذه الجملة تتقوى بغيرها من الروايات، وهذه الروايات الضعيفة يقوي بعضها بعضاً، فيرون أن هذه الجملة: إن لكل شيء سناماً، وإن سنام القرآن البقرة ترتقي إلى مرتبة الحسن.

"وقد روى الترمذي والنسائي وابن ماجه عن أبي هريرة قال: "بعث رسول الله ﷺ بعثاً وهم ذوو عدد، فاستقرأهم فاستقرأ كل رجل منهم ما معه من القرآن، فأتى على رجل منهم من أحدثهم سناً فقال: ما معك يا فلان؟ قال: معي كذا وكذا وسورة البقرة، قال: أمعك سورة البقرة؟ فقال: نعم، قال: فاذهب فأنت أميرهم، فقال رجل من أشرافهم: والله يا رسول الله ما منعني أن أتعلم سورة البقرة إلا خشية ألا أقوم بها، فقال رسول الله ﷺ: تعلموا القرآن فاقرءوه، وأقرئوه، فإن مثل القرآن لمن تعلمه فقرأه وقام به كمثل جراب محشو مسكاً، يفوح بريحه كل مكان، ومثل من تعمله فيرقد وهو في جوفه كمثل جراب وكئ على مسك[7] هذا لفظ رواية الترمذي، ثم قال: هذا حديث حسن، ثم رواه مرسلاً فالله أعلم."معنى: جراب وكئ على مسك يعني رُبط فلا تظهر رائحته.

وعلى كل حال حتى هذه الرواية من الروايات التي يمكن أن يقال عنها: إنها لا تخلو من ضعف في أقل الأحوال، وبعض أهل العلم يحسنها، وهذا ما فعله هؤلاء المختصرون.
"وروى البخاري عن أسيد بن حضير قال: بينما هو يقرأ من الليل سورة البقرة وفرسه مربوط عنده إذ جالت الفرس فسكت فسكنت، فقرأ فجالت الفرس، فسكت فسكنت الفرس، ثم قرأ فجالت الفرس، فانصرف وكان ابنه يحيى قريباً منها، فأشفق أن تصيبه، فلما أخره رفع رأسه إلى السماء حتى ما يراها، فلما أصبح حدث النبي ﷺ فقال: اقرأ يا ابن حضير، اقرأ يا ابن حضير، قال: فأشفقت يا رسول الله أن تطأ يحيى، وكان منها قريباً، فرفعت رأسي، وانصرفت إليه فرفعت رأسي إلى السماء فإذا مثل الظلة فيها أمثال المصابيح، فخرجت حتى لا أراها، قال: وتدري ما ذاك؟، قال: لا، قال: تلك الملائكة دنت لصوتك، ولو قرأت لأصبحت ينظر الناس إليها لا تتوارى منهم[8]، وهكذا رواه الإمام العالم أبو عبيد القاسم بن سلام في كتاب فضائل القرآن، والله أعلم.
قال الإمام أحمد: حدثنا أبو نعيم حدثنا بشر بن مهاجر حدثني عبد الله بن بريدة عن أبيه قال: كنت جالساً عند النبي ﷺ فسمعته يقول: تعلموا سورة البقرة فإن أخذها بركة، وتركها حسرة، ولا تستطيعها البطلة، قال: ثم سكت ساعة ثم قال: تعلموا سورة البقرة، وآل عمران؛ فإنهما الزهراوان يظلان صاحبهما يوم القيامة كأنهما غمامتان أو غيايتان أو فرقان من طير صواف، وإن القرآن يلقى صاحبه يوم القيامة حين ينشق عنه قبره كالرجل الشاحب، فيقول له: هل تعرفني؟ فيقول: ما أعرفك، فيقول: أنا صاحبك القرآن الذي أظمأتك في الهواجر، وأسهرت ليلك، وإن كل تاجر من وراء تجارته، وإنك اليوم من وراء كل تجارة، فيعطى الملك بيمينه، والخلد بشماله، ويوضع على رأسه تاج الوقار، ويكسى والداه حلتين لا يقوم لهما أهل الدنيا، فيقولان: بما كسينا هذا؟ فيقال: بأخذ ولدكما القرآن، ثم يقال: اقرأ واصعد في درج الجنة، وغرفها، فهو في صعود ما دام يقرأ هذَّاً كان، أو ترتيلاً[9] وروى ابن ماجه من حديث بشر بن المهاجر بعضه، وهذا إسناد حسن على شرط مسلم."
فهذا الحديث في فضل سورة البقرة، أما أوله وهو أن سورة البقرة كما قال النبي ﷺ: فإن أخذها بركة، وتركها حسرة، ولا تستطيعها البطلة فإن هذا له شواهد، وهو ثابت عن رسول الله ﷺ، وإن كان هذا الحديث من رواية بشر بن المهاجر.

وأما بقية الحديث وذلك من قوله بعد ذلك: وإن القرآن يلقى صاحبه يوم القيامة حين ينشق عنه قبره كالرجل الشاحب فإن لبعضه شواهد، ولكن ما قبله له شواهد صحيحة ثابتة من أول الحديث إلى هذا القدر كما سيأتي فيما ذكره ابن كثير - رحمه الله - لذلك فإن بعض أهل العلم يصحح أول هذا الحديث إن أخذها بركة، وكذلك ما جاء من قوله: تعلموا سورة البقرة وآل عمران فإنهما الزهراوان يظلان صاحبهما يوم القيامة، كأنهما غمامتان.. إلى آخره، وأما بقية الحديث فبعض الجمل التي لها شاهد يمكن أن تكون من قبيل الحسن لتلك الشواهد.

على كل حال الإشكال في بشر بن المهاجر، ومن ضعَّف روايته رد بقية الحديث، والحاصل أن بشر بن المهاجر فيه كلامٌ كثير، بعضهم يضعفه، وبعضهم يبالغ في هذا، وبعضهم يجعل روايته من قبيل المقبول أو يوثقه، وصنيع المختصر هنا يدل دلالة أكيدة على أنه يحسن الحديث في أقل الأحوال.

قوله: فإن أخذها بركة، وتركها حسرة، ولا تستطيعها البطلة البطلة يعني السحرة.

ومعنى لا تستطيعها البطلة يعني: أي لا يمكنهم حفظها، أو أن من تحصن بها فإن السحرة لا يقدرون على إيصال سحرهم إليه.

وقوله: تعلموا سورة البقرة وآل عمران فإنهما الزهراوان المقصود بالأزهر المضيء، يقال: سراج يزهر أي يضيء.

قوله:يظلان صاحبهما يوم القيامة كأنهما غمامتان أو غيايتان، وفي بعض الألفاظ: غيابتان بالباء، الغمام معروف وهو السحاب، والغيايتان: كل شيء أظلك فهو غياية سواء كان من سحاب أو غبار أو غير ذلك، والغيابتان بـ الباء:هو أيضاً من هذا المعنى.

أو فرقان من طير صواف أي تصف أجنحتها، وذلك أبلغ في التضليل.
"فمن ذلك حديث أبي أمامة الباهلي رواه الإمام أحمد.
وعنه قال سمعت رسول الله ﷺ يقول: اقرءوا القرآن فإنه شافع لأهله يوم القيامة، اقرءوا الزهراوين: البقرة وآل عمران فإنهما يأتيان يوم القيامة كأنهما غمامتان، أو كأنهما غيايتان، أو كأنهما فرقان من طير صواف يحاجان عن أهلهما يوم القيامة، ثم قال: اقرءوا البقرة فإن أخذها بركة، وتركها حسرة، ولا تستطيعها البطلة[10]، وقد رواه مسلم في الصلاة، الزهراوان: المنيرتان، والغياية: ما أظلك من فوقك، والفرق: القطعة من الشيء، والصوافُّ: المصطفة المتضامة، والبطلة: السحرة، ومعنى لا تستطيعها أي لا يمكنهم حفظها، وقيل: لا تستطيع النفوذ في قارئها، والله أعلم.
ومن ذلك حديث النواس بن سمعان رواه الإمام أحمد عنه قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: يؤتى بالقرآن يوم القيامة وأهله الذين كانوا يعملون به تقدمهم سورة البقرة وآل عمران، وضرب لهما رسول الله ﷺ ثلاثة أمثال ما نسيتهن بعد، قال: كأنهما غمامتان أو ظلتان سوداوان بينهما شرق، أو كأنهما فرقان من طير صوافّ يحاجان عن صاحبهما[11] ورواه مسلم والترمذي وقال حسن غريب."
معنى بينهما شرق: يعني بينهما فاصل.

وهذا الحديث يفسر الحديث الذي قبله فإن النبي ﷺ قال في الذي قبله: فإنهما يأتيان يوم القيامة.. إلى أن قال: يحاجان عن أهلهما: فما المراد بـ أهلهما هل هو مجرد الحفظ إن كان حافظاً لهما؟

لا، بل إن المقصود يفسره قول النبي ﷺ: يؤتى بالقرآن يوم القيامة وأهله الذين كانوا يعملون به فأصحاب البقرة وآل عمران هم الذين يحفظونهما، ويفهمون معانيهما، ويعملون بهما، ولهذا بقي ابن عمر ثمان سنين يحفظ سورة البقرة، وبقي عمر اثنتي عشرة سنة يحفظها، ثم نحر جزوراً، ودعا الناس فرحاً واستبشاراً بهذا الإنجاز.

ولذلك كان الرجل إذا أخذ البقرة عظم في أعينهم؛ لأنه صار فقيهاً؛ لأنها تشتمل على أكثر الأحكام، فهي أكثر سور القرآن اشتمالاً على الأحكام، وأطول سور القرآن، فمن عرف هذه الأحكام التي في سورة البقرة، فإنه يمر به كثيرٌ مما يذكر في التفسير بعدها، فتكون بقية الأمور التي تذكر في الغالب مكررة، أعني مما يحتاج إليه في فهم التفسير من جهة الأصول، والقواعد وما أشبه ذلك.

وعلى كل حال هنا سؤال يرد في مثل هذه الأحاديث وهو: أن هاتين السورتين تأتيان كأنهما ظلتان أو غيايتان، ومعلوم أن القرآن كلام الله وهو صفة من صفاته، فما المراد بذلك؟

المراد بذلك الثواب أي: ثواب القرآن أو قل: ثواب وأجر قراءة سورة البقرة وآل عمران، وأجر العمل والتدبر لهما، والله أعلم، وهذا الذي ذكره جماعة من أهل العلم كالإمام أحمد والبغوي، وذكره شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - في المجلد الخامس من الفتاوى في صفحة ثلاثمائة وسبعة وتسعين تقريباً، وكذلك ابن القيم في مختصر الصواعق صفحة أربعمائة تقريباً من الجزء الثاني في المختصر، وكذلك ذكره الترمذي قبلهم ذكره في السنن.

كذلك الأحاديث الأخرى مثل قوله ﷺ كما في الصحيحين: مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن مثل الأترجة، جاء في لفظ البخاري: المؤمن الذي يقرأ القرآن ويعمل به كالأترجة[12]، فلا بد من العمل بالقرآن أي أن مجرد القراءة لا تكفي.

وكذلك الحديث الآخر: الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة جاء في بعض الروايات الثابتة في الصحيح: مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن وهو يحفظه مع السفرة الكرام البررة[13] يعني مع الملائكة، والسفرة أي: سفراء بين الله وخلقه، فيكون بهذه المنزلة إذا كان يحفظ وليس مجرد أن يقرأ مجرد قراءة، وقوله: والذي يقرأ القرآن، ويتتعتع فيه؛ وهو عليه شاق له أجران[14] يعني يتتعتع في الحفظ، أي أن حفظه فيه ضعف.

وأما بالنسبة لحديث: يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله[15] فهي مسألة أخرى إذ يحتمل أن يكون على ظاهره، والمقصود به الأحفظ؛ لأنه قال بعده: أعلمهم بالسنة؛ لأن الفقه يكون بالعلم بالسنة مع القرآن فلا يكون فقيهاً ما لم يعلم بالسنة، فظاهر هذا يدل على أن المقصود الحفظ.

ويحتمل معنىً آخر وهو أن يكون في ذلك الحين أقرأَهم أي يكون فقيهاً كما سبق في ذكر ابن عمر أنه حفظ سورة البقرة في ثمان سنين، ولذلك إذا قيل: القراء في ذلك الوقت - كأن يقال: قتل سبعون من القراء في بئر معونة - فهؤلاء علماء وليسوا مجرد حفاظ أو كثيري القراءة فقط، فهم ما كانوا مثلنا الآن، تجد الواحد يحفظ ولا يفهم شيئاً مما يحفظ، فقول القائل: دخل القراء على عمر - وكان القراء هم أهل مجلسه - المقصود بهم العلماء، وكذلك ما ورد من بعض الآثار بأن أكثرمنافقي هذه الأمة قراؤها فإن المقصود به أهل العلم وطلاب العلم.

"والبقرة جميعها مدنية بلا خلاف، وهي من أوائل ما نزل بها، لكن قوله تعالى فيه: وَاتَّقُواْ يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللّهِ [سورة البقرة:281] الآية، يقال: إنها آخر ما نزل من القرآن."سورة البقرة لا شك أنها سورة مدنية، وهذا نقل عليه الإجماع غير واحد، وهي أول سورة نزلت في المدينة، لكنها لم تنزل جملةً.

وهنا ابن كثير يشير إلى أن بعضها قد تأخر نزوله فهي نزلت مفرقةً، ولذلك فإن آخر ما نزل من القرآن على الإطلاق على الراجح أنها الآيات التي في آخر سورة البقرة: آيات الربا، وقوله تعالى: وَاتَّقُواْ يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللّهِ، وآية الدين، ولذلك فمن قال: إن آخر ما نزل آية الدين فلا شك أنها في الترتيب هي آخر هذه الآيات نزولاً بالترتيب، فيصح أن يقال: إن هذا آخر ما نزل من القرآن، بمعنى أنها نزلت مجتمعة أعني هذه الآيات التي في آخر البقرة، وهذا أقوى ما قيل في آخر ما نزل مطلقاً، كل ذلك مع أن سورة البقرة هي أول سورة نزلت في المدينة، لكن آخر ما نزل من السور هي سورة براءة ولم تنزل كاملة.

وآخر ما نزل من السور مشتملة على الأحكام سورة المائدة، لهذا تجدون في بعض الروايات أن سورة المائدة هي آخر ما نزل، والمعنى في الأحكام، وسورة براءة آخر ما نزل من السور وليس جميع سورة براءة، إذ من المعلوم أن صدرها نزل عام تسع في حجة أبي بكر ، وجملة كبيرة منها نزلت في مرجع النبي ﷺ من غزوة تبوك.

"يقال: إنها آخر ما نزل من القرآن، ويحتمل أن تكون منها، وكذلك آيات الربا من آخر ما نزل، وكان خالد بن معدان يسمي البقرة "فسطاط القرآن"."خالد يسمي هذه السورة بسورة الفسطاط، وسبق الكلام على هذا في الكلام على أسماء السورة، حيث ذكرنا لها نحو سبعة أسماء، وإن كان بعض هذا لا يثبت عن النبي ﷺ حيث جاء حديث موضوع في تسميتها بفسطاط القرآن، لكن الصحيح أن هذا من كلام التابعين.

والفسطاط يطلق على الخيمة، ويطلق على المدينة، وعلى كل فالفسطاط هو ما يحيط بغيره، فيكون قيل لها ذلك ربما لإحاطتها بكثيرٍ من الأحكام، حيث اشتملت على أحكام لم تشتمل عليها سورة مثلها، فهي أكثر السور اشتمالاً على الأحكام، وربما يكون لعظمها، وفضلها، ومنزلتها وما أشبه ذلك، وعلى كل حال فسطاط القرآن تشتمل على أحكام كثيرة.

"قال بعض العلماء: وهي مشتملة على ألف خبر، وألف أمر، وألف نهي، وقال العادُّون: آياتها مائتان وثمانون وسبع آيات، وكلماتها ستة آلاف كلمة ومائتان وإحدى وعشرون كلمة، وحروفها خمسة وعشرون ألفاً وخمسمائة حرف، فالله أعلم."وهذا أيضاً سبق الكلام عليه، وذكر الخلاف في عدد كلماتها، وفي عدد حروفها، وذكرنا سبب هذا الخلاف، وأشرت إليه في أول هذه الدروس، فعلى كل حال الأمر في هذا سهل إذا عُرف وجهه؛ لأن ذلك إنما يكون بسبب ما ذكرت من الأمور التي توجب هذا التفاوت سواء في عد الآيات، أو في عد السور، وأن مرجع ذلك إلى القراءة في بعض نواحيه، ومنه ما يرجع إلى طريقة العد، هل يعد الحرف المرسوم وإن لم ينطق به، وهل يعد الحرف المشدد حرفاً واحداً أو حرفين، وكذلك ما ينطق به ولا يكتب من الحروف في الرسم هل يعد أو ما يعد؟

"قال ابن جريح عن عطاء عن ابن عباس - ا -: نزلت بالمدينة سورة البقرة، وقال خصيف عن مجاهد عن عبد الله بن الزبير - ا - قال: نزلت بالمدينة سورة البقرة، وهكذا قال غير واحد من الأئمة والعلماء والمفسرين ولا خلاف فيه، وروى ابن مردويه من حديث شعبة عن عقيل بن طلحة عن عتبة بن مرثد .الظاهر أنه عتبة بن فرقد وليس ابن مرثد، هو هكذا في معجم الطبراني الكبير عتبة بن فرقد، صحابي سُلمي.

"عن عتبة بن فرقد : رأى النبي ﷺ في أصحابه تأخراً فقال: يا أصحاب سورة البقرة وأظن هذا كان يوم حنين يوم ولوا مدبرين."[16]أي نعم، كان يوم حنين، وجاء هذا في صحيح مسلم وفي غيره من حديث العباس لما أمره النبي ﷺ أن يدعوهم، وجاء أيضاً من حديث شيبة العبدري - من بني عبد الدار - في قصته المعروفة لما خرج وهو يريد أن ينتقم من النبي ﷺ، وكذلك جاء من حديث أبي سفيان بن الحارث ابن عم النبي ﷺ، وكذلك أيضاً جاء عن غيره في بعض الروايات التي فيها ضعف، لكن على كل حال لا شك أن النبي ﷺ لما انهزموا في يوم حنين أمر العباس أن يدعوهم: يا أصحاب الشجرة، أو يا أصحاب السمرة، يا أصحاب سورة البقرة[17]، وأصحاب السمرة المقصود بهم أصحاب الشجرة، يعني الذين بايعوا النبي ﷺ تحت الشجرة لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ [سورة الفتح:18] في صلح الحديبية؛ بايعوا النبي ﷺ، فبعضهم يقول: على الموت، والمشهور والراجح أنهم بايعوه على ألا يفروا، وعلى كل حال جاء هذا في عدد من الأحاديث كما سبق منها ما هو مرسل، ومنها ما هو غير ذلك.

"وأظن هذا كان يوم حنين يوم ولوا مدبرين، أمر العباس فناداهم: يا أصحاب الشجرة يعني أهل بيعة الرضوان، وفي رواية: يا أصحاب سورة البقرة لينشطهم بذلك، فجعلوا يقبلون من كل وجه، وكذلك يوم اليمامة مع أصحاب مسيلمة جعل الصحابة يفرون لكثافة جيش بني حنيفة، فجعل المهاجرون والأنصار يتنادون: يا أصحاب سورة البقرة، حتى فتح الله عليهم - رضي الله عن أصحاب رسول الله أجمعين -."يوم اليمامة كان جيش المسلمين فيه أعراب كثير، وكان هؤلاء الأعراب في أول الجيش، فلما حصلت المواجهة تضعضعوا وانهزموا، فقام خالد بن الوليد  فجمع أصحاب النبي ﷺ ومن حضر من أهل بدر، فجعلهم في مقدم الجيش، وكان شعارهم يا أصحاب سورة البقرة هذا الشعار يوم اليمامة، فثبتوا واشتد الناس، وقتل في أصحاب النبي ﷺ مقتلة كبيرة، وكان ذلك سبباً في جمع القرآن لما أشار بذلك عمر كما في الصحيحين، فثبتوا ذلك الثبات العظيم، وفتح الله عليهم.

على كل حال هذا جاء عن عروة بن الزبير وهو ثابت بإسناد صحيح عند عبد الرزاق وفي المصنف وابن أبي شيبة وسعيد بن منصور يعني في يوم اليمامة.
بسم الله الرحمن الرحيم: آلم ۝ ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ ۝ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاة وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ ۝ وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالآخرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ ۝ أُوْلَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ [سورة البقرة1-5]. آلم الحروف المقطعة التي في أوائل السور هي مما استأثر الله بعلمه."على كل حال تذكرون في درس الجمعة أننا ذكرنا مسائل كثيرة تتعلق بالسورة كالكلام على موضوعها، ومقصودها، والقضايا التي ناقشتها، وربما حتى فواصل الآية يعني أواخر الآيات، آخر حرف أو آخر كلمة في الآية تنتهي بأي أحرف، مثل القوافي في الشعر، وقلنا: إنها تجمع بكلمتين (قم لندبر) بينما الفاتحة يجمع فواصلها حرفان هما الميم والنون، فالبقرة قم لندَّبَّر، فالعلماء منهم من يجعل ذلك لجميع سور القرآن يعني كل سورة يذكر لها الحروف التي تنتهي فيها، ويجمعها بجملة أو بكلمة أو بكلمتين أو نحو هذا، فهذه الحروف التي تنتهي فيها الفواصل في هذه السورة مجموعة بـ (قم لندبر).

كذلك ذكرنا أشياء أخرى منها قضايا النسخ في هذه السورة، ودعاوى النسخ فيها، وقلنا: إن الدعاوى قاربت أو بلغت ستاً وعشرين، لكن لا يثبت منها إلا القليل جداً في البقرة وفي غير البقرة.
"روي ذلك عن أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وابن مسعود - أجمعين -."ذكرنا أيضاً في ذلك الحين أن الحروف المقطعة فيها أقوال كثيرة، فبعضهم سرد فيها ستةً وعشرين قولاً، وبعضهم يذكر أقل من هذا، وبعضهم ربما أوصلها إلى ثلاثين، وعند الاستقراء يمكن أن ترجع إلى أقوال محصورة، وفي ذلك الحين ذكرنا أنها ترجع إلى ثلاثة أقوال، يعني منهم من يقول: إن هذه الحروف المقطعة هي عبارة عن اقتضاب لأسماء أو أوصاف، أو لكلمات أو لجمل، وإنها عبارة عن رموز، وهذا يدخل تحته ثمانية أقوال مما قيل في ذلك، يعني من يقولون: إنها اختصار لجملة أو كلمة، لو جمعت الأقوال لأكثر من عشرين قولاً ستجد أن ثمانية منها ترجع إلى أنها عبارة عن رموز، وإن اختلفوا في فك، أو تفسير، أو بيان المراد بهذه الرموز، وعلى كل حال هذا فيه نظر.

وبعضهم يقول: إنها عبارة عن أسماء، إما اسم للنبي ﷺ، أو للقرآن أو غير ذلك، أسماء أو أوصاف، وهذا وإن اختلفوا فيه لكنه يدخل تحته نحو أربعة أقوال مما قيل في تفسير هذه الحروف.

والثالث أنها حروف هجاء أي حروف المعجم، أو قل: حروف مباني، وقد سبق أن ذكرنا الفرق بين حروف المباني، وحروف المعاني، ولكن هذه الحروف هي حروف معجم ليس لها معنى في نفسها بطبيعة الحال إذا قيل: إنها حروف معجم أي ليس لها معنى في نفسها، وهذا يرجع إليه نحو أربعة عشر قولاً.

المقصود أن هذه الحروف ترمز لشيء معين، ومن أشهر الأقوال أنها ليس لها معنى في نفسها، لكن فيها إشارة إلى قضية التحدي والإعجاز، بمعنى أن هذا القرآن مكون من هذه الحروف التي تركبون منها الكلام فأتوا بمثله.

بل إن بعض أهل العلم مثل ابن العربي قال: إن الحروف الواردة في أوائل السور - الحروف المقطعة - هي نصف الحروف الهجائية!! فهذا فيه إشارة أن القرآن ركب من نصف الحروف، فركبوا قرآناً آخر من النصف الباقي، لكن هذا القول لا يخلو من تكلف، وعلى كل حال الله تعالى أعلم.

لكنْ فيه ملحظ ذكره بعض أهل العلم مثل الشوكاني حيث نبه على قضيتين تفيد في هذا المعنى وهي أن على القول: إن لها معنى في نفسها هذا غير معهود في كلام الناس، وإن حاولوا أن يأتوا ببعض الألفاظ، أو بعض الأشعار، كقول من قال: قلت لها قفي قالت قاف، لكن هذا غير متداول، فالناس حينما يخاطبون به لا يفهمون المراد.

الأمر الآخر أنها إذا كانت رموز وتحتاج إلى فك، وذكروا تحتها معاني كثيرة جداً غريبة عجيبة؛ فهذه الرموز هل عندهم أثارة من علم في فكها، وتفسيرها بهذه الطريقة؛ لأنه لا يصل إليها الذهن بالاجتهاد، ولا يوجد شيء عن النبي ﷺ إطلاقاً في هذا، فمن أين جاءوا بها وقد اختلفوا في فك هذه الرموز؟ فالله أعلم، وعلى كل حال فلعلَّ هذا القول من أقرب هذه الأقوال.
"وقيل: هي أسماء السور، وقيل: هي فواتح افتتح الله بها القرآن."القول الأول الذي ذكره، حيث قال: هي مما استأثر الله بعلمه، هذا قال به جماعة من الأئمة، وبناءً على ذلك يكون قد وقع في القرآن ما يعرف بالمتشابه المطلق من جهة المعنى، بمعنى أنه يوجد في القرآن أشياء لا النبي ﷺ يعرف معناها، ولا غيره من الأمة، وهذا القول مشكل، وهو وجهٌ في تفسير آية آل عمران وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ [سورة آل عمران:7] على الوقف هنا، والأقرب - والله تعالى أعلم - أن الوقف لا شك أنه ثابت صحَّ عن ابن عباس وعن غيره، والمراد بها على الوقف عند قوله: وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ حقائق الأمور الغيبية وكنهها، وما أشبه ذلك مما لا يمكن الإطلاع عليه إلا بالوحي، فليس المراد به التفسير، ولذلك يقال: لا يوجد في القرآن متشابه مطلق أبداً من جهة المعنى، وإنما يوجد فيه متشابه مطلق من جهة الكيفية، فآية آل عمران على الوقف وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ يقال: المتشابه هنا المطلق على الوقف المراد به حقائق الأشياء، وكنهها، فالله لم يخاطبنا بألغاز في القرآن، وإنما أخبرنا عن هذا القرآن بأنه تبيان لكل شيء، وأنه بلسان عربي مبين.

القراءة بالوصل: وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يكون المراد بالتأويل هنا التفسير، يكون المراد به التفسير بالمعنى، وهو ثابت أيضاً عن ابن عباس، وقال: "أنا من الراسخين في العلم الذين يعلمون تأويله" فكل هذا صحيح، لكن على هذا القول أن الحروف المتقطعة من المتشابه من أن هذا لا يعلمه إلا الله، وإنما هو مما استأثره بعلمه، فيكون معنى ذلك أنه من المتشابه المطلق، لكن من قال: لها معنى وفسره فهي بالنسبة لمن لا يعرف ذلك من المتشابه النسبي، عند من يثبت لها معنى.
"وقال خصيف عن مجاهد أنه قال: فواتح السور كلها: ق وص وحم وطسم والر، وغير ذلك هجاء موضوع."يعني هذه الفواتح التي مثَّل لبعضها، وكذلك ما لم يمثِّل له هي هجاء موضوع، يعني بهجاء أنها حروف هجاء (أبجد هوز)، (أ، ب، ت، ث...).

الحروف - كما سبق - تنقسم إلى قسمين: حروف معنى، وحروف مبني، وحروف المعنى هي التي يجعلها النحاة القسم الثالث مما يتركب من الكلام، فهم يقولون: الكلام اسم، وفعل، وحرف جاء لمعنى، ويقصدون بحروف المعاني حروف الجر، فـ"إلى" تدل على الغاية، و "في" تدل على الظرفية وما أشبه ذلك.

فالنحاة يقولون في معنى الاسم: هو ما دل على معنى في نفسه، ولم يقترن بزمان، والفعل هو ما دل على معنىً في نفسه، واقترن بزمان، والحرف يقولون: هو ما لم يدل على معنى في نفسه، ولم يقترن بزمان، وإنما هي للربط، والوصل، وكلامهم هذا ردَّ عليهم فيه شيخ الإسلام فقال: إن "في" تدل على الظرفية ولها معنى في نفسها ... إلى آخره، مع أنهم يقصدون شيئاً آخر غير ما قصده شيخ الإسلام، والأمر في هذا سهل.

فعلى كل حال الشاهد هنا قوله: حروف هجاء: وحروف الهجاء - حروف المعجم - ليس لها قطعاً معنى في نفسها بالاتفاق، فـ "الباء" حينما تكون من حروف المعاني نقول عنها: حرف جر لها دلالة تدل على المقاربة، والملاصقة، لكن حينما نقول مثلاً: "بئر" فهذه الباء ليس لها معنى في نفسها إطلاقاً، وإنما لما تركبت مع غيرها صارت تمثل كلمة، فمن يقول: إن هذه حروف تهجي فمعنى ذلك أنها ليس لها معنى في نفسها؛ لأنه لا أحد يدعي أن حروف التهجي لها معنى في نفسها، وهذا هو المراد والله أعلم.

وهذه الأقوال المنتثرة والتي ما ذكر منها هنا إلا أقل من القليل؛ يمكن أن تُرَجع إلى الأقوال الثلاثة الأصلية.
"وقال بعض أهل العربية: هي حروف من حروف المعجم، استغنى بذكر ما ذكر منها في أوائل السور عن ذكر بواقيها التي هي تتمة الثمانية والعشرين حرفاً."بناءً على أن الحروف العربية تبلغ هذا العدد، وبعضهم يزيد حرفاً، فيقول: تسعة وعشرون على أن "لام ألف" حرف.
"كما يقول القائل: ابني يكتب في "أ ب ت ث" أي في حروف المعجم الثمانية والعشرين، فيستغنى بذكر بعضها عن مجموعها حكاه ابن جرير." طريقة ترتيب الحروف بعضهم يجعلها: "أ ب ت ث"، وبعضهم يجعلها: "أبجد هوز حطي..." إلى آخره، ولذلك كتب القواميس والمعاجم أحياناً ما تجدها على الترتيب المعروف "أ ب ت ث" فيظن ظانٌّ أنه ترك بعض الكلمات، وهو ما تركها، وإنما سار فيها على الطريقة الأخرى في الترتيب.
"قلت: مجموع الحروف المذكورة في أوائل السور بحذف المكرر منها أربعة عشر حرفاً."هي طبعاً جاءت في تسع وعشرين سورة، وعامة هذه السور التي بُدئت بالحروف المقطعة هي من السور المكية، فالمدنية مثل: البقرة، وآل عمران، لكن عامة السور التي بدئت بالحروف المقطعة إنما هي من السور المكية.

يقول: "مجموع الحروف المذكورة في أوائل السور بحذف المكرر منها أربعة عشر حرفاً" ومن غير حذف المكرر تبلغ ثمانية وسبعين حرفاً.

"وهي "أ ل م ص ر ك هـ ي ع ط س ح ق ن" يجمعها قولك: "نص حكيم قاطع له سر"."يجمعها قولك: "نص حكيم قاطع له سر": ويمكن أن تجمعها جملٍ أخرى مثل: "ألم يسطع نور حق كره"، وبعضهم يركب غير هذا من الجمل من أسهلها: "طرق سمعك النصيحة".
"وهي نصف الحروف عدداً، والمذكور منها أشرف من المتروك."نصف الحروف عدداً، والمذكور منها أشرف من المتروك: ما معنى أشرف من المتروك؟

الحروف تنقسم إلى حروف استعلاء، وحروف استفال، فنجد أن المذكور هو الأشرف دائماً، فأشرف هذه الحروف هي المذكورة في نصف الحروف الهجائية.
"وبيان ذلك من صناعة التصريف، قال الزمخشري: وهذه الحروف الأربعة عشر مشتملة على أصناف أجناس الحروف، يعني من المهموسة، والمجهورة، ومن الرخوة، والشديدة، ومن المطبقة، والمفتوحة، ومن المستعلية، والمنخفضة، ومن حروف القلقلة." بالنسبة للقلقلة حروفها خمسة، والمذكور في أوائل السور منها أقل من النصف وليست النصف.
"وقد سردها مفصلة، ثم قال: "فسبحان الذي دقت في كل شيء حكمته"، وهذه الأجناس المعدودة مكثورة بالمذكورة منها."هناك أشياء أخرى مثل الصفير ثلاثة حروف "السين"، و"الصاد"، و"الزاي" المذكورة منها في الحروف المقطعة في أوائل السور هي "السين"، و"الصاد"، وما ذكرها الزمخشري، وكذلك الحروف اللينة ثلاثة، المذكور منها اثنان "الألف"، و"الياء".

يقول ابن كثير: وقد سردها مفصلة: ثم جاء بكلام الزمخشري: "فسبحان الذي دقت في كل شيء حكمته" وهذه الأجناس المعدودة مكثورة بالمذكورة منها: ما معنى قول الزمخشري: مكثورة بالمذكورة منها؟ أليست هذه الأحرف المذكورة كما قال هو: إنها النصف، فكيف صارت هي مكثورة؟

المقصود بذلك هو أن الأكثر تكرراً في القرآن واستعمالاً هي الحروف المذكورة في أوائل السور أي هي أكثر ما يتكرر في تركيب الكلام في جميع القرآن، وقد عدوا كل حرف كم مرة ورد في القرآن، فالحروف المذكورة في أوائل السور هي الأكثر استعمالاً في القرآن، وهذا هو المراد بقوله: إنها مكثورة يعني الحروف المتروكة مكثورة بالمذكورة.
"وقد علمت أن معظم الشيء وجلَّه ينزل منزلة كله."معنى هذه العبارة أنه في حالة ما إذا أتى سائل معترض وقال: أنت تقول: إن هذه الحروف المقطعة في أوائل السور هي نصف الحروف الهجائية، والقرآن مركب من الحروف الهجائية الثمانية والعشرين، وتقول: إن الحروف المقطعة ليس لها معنى في نفسها، ولكنها ترمز للتحدي من أن تأتي أحد بمثل هذا القرآن مركباً من هذه الحروف، فأين النصف الباقي من الحروف التي وردت في القرآن، فيقال: إن أغلب ما ركب منه الكلام هو النصف المذكور في أوائل السور، وما كان جلُّ الشيء منه يمكن أن يعبر عنه بأنه الكل أو الجميع أو نحو ذلك من باب التغليب، والله أعلم.
قال المفسر - رحمه الله تعالى - حول الحروف المقطعة: ومن هاهنا لحظ بعضهم في هذا المقام كلامًا، فقال: لا شك أن هذه الحروف لم ينزلها - - عبثًا ولا سدى؛ ومن قال من الجهلة: إن في القرآن ما هو تعبد لا معنى له بالكلية؛ فقد أخطأ خطأً كبيرًا، فتعين أن لها معنى في نفس الأمر، فإن صحَّ لنا فيها عن المعصوم شيء قلنا به، وإلا وقفنا حيث وقفنا، وقلنا: آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا [سورة آل عمران:7]، ولم يُجمِع العلماء فيها على شيء معين، وإنما اختلفوا، فمن ظهر له بعض الأقوال بدليل فعليه اتباعه، وإلا فالوقف حتى يتبين هذا المقام.

فهذا الخلاف الكثير في هذه الحروف المقطعة، والأقوال التي قيلت في ذلك؛ ليس في ذلك كله شيء عن رسول الله ﷺ، وليس فيه إجماع، ومن ثَمَّ فإنه لا يمكن القطع بشيء من هذه التفسيرات، وأما ما ذكره الحافظ ابن كثير - رحمه الله - عن بعضهم من أنه لا بد أن تكون هذه وضعت لمعنى، وأنه لا يمكن أن يكون في القرآن شيء من الألفاظ لمجرد التعبد، وليس له معنىً في نفسه أصلاً، فلا شك أن القرآن ليس فيه حشو، وقد سبق الكلام على هذا في درس أصول الفقه قول صاحب المراقي: "ولم يكن في الوحي حشو يقع"، ولكن هذه المعاني عموماً إنما تكون في الألفاظ من حروف المعاني والكلمات، سواءً كانت من الأسماء، أو من الأفعال، وأما الحروف - أعني المباني - فإنه ليس لها معنىً أصلاً في لغة العرب، فإذا عبر بها فإن هذا التعبير إنما يكون لأمر ما أي: جيء بها لإيصال معنىً أراد المتكلم أن يصل إلى عباده.

فهذا الذي ذكره بعض أهل العلم - وهو قول كثير من المحققين - من أنها تشير إلى قضية الإعجاز، فهي لم تسق عبثاً؛ لكن ليس لها معنى في نفسها إلا أنها تشير إلى قضية الإعجاز، فهذا القول ليس فيه نسبة الحشو ِإلى القرآن، ولكن كلام أهل العلم على كل حال هو في الألفاظ التي وصفت من الأسماء، والأفعال، وحروف المعاني، وهذا هو كلام العرب، الكلام عند العرب: هو اسم، وفعل، وحرف جاء لمعنى، وأما حروف التهجي فليست من هذه القسمة الثلاثة، وإنما هي حروف يركب منها كلام العرب الذي له معنى، فالعين (ع) إذا ركبت مع اللام (ل) مع الألف المقصورة (ى) صارت على، فصار لها معنى.

والزاي (ز) تركب مع الياء (ي) مع الدال (د) فتكون زيد، أي صارت اسماً، وهكذا، هذا هو المراد - والله تعالى أعلم -.

ولذلك لا يوجد في القرآن شيء من المتشابه المطلق من جهة المعاني، كل ما في القرآن فالأمة تعرف معناه ولو بعض الأمة وإن خفي على بعضهم، والتشابه في هذا الباب - أعني من جهة المعاني والتفسير - إنما هو تشابه نسبي؛ وليس تشابهاً مطلقاً، ومعنى تشابه نسبي أي أنه متشابه بالنسبة لبعض الأمة، لذا قال الله فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ [سورة المعارج:4]، وفي موضع آخر يقول: أَلْفَ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ [سورة السجدة:5]، فهذا قد يلتبس على بعض الناس، ولكن من عرف معناه، ولم يشكل عليه؛ لا يكون بالنسبة إليه من المتشابه، فهذا التفصيل في هذا المقام ينفي هذه الإشكالية، والله تعالى أعلم، وبالتالي نقول: لا يوجد في القرآن شيء لمجرد التعبد فقط أبداً، بل كل ما فيه من كلام فهو لمعنى.

المقام الآخر في الحكمة التي اقتضت إيراد هذه الحروف في أوائل السور ما هي؟ مع قطع النظر عن معانيها في أنفسها.من أهل العلم من يرى أن الحروف المقطعة لها معنىً في نفسها، إضافة إلى كونها تشير إلى قضية الإعجاز، فالذين قالوا: إنها تشير إلى قضية الإعجاز منهم من قال: ليس لها معنى في نفسها، ومنهم من ذكر لها معنى.
فقيل: إنما ذكرت هذه الحروف في أوائل السور التي ذكره فيها بيانًا لإعجاز القرآن، وأن الخلق عاجزون عن معارضته بمثله، هذا مع أنه مركب من هذه الحروف المقطعة التي يتخاطبون بها، وقد حكى هذا المذهب الرازي في تفسيره عن المبرد وجمع من المحققين، وحكى القرطبي عن الفراء وقطرب نحو هذا، وقرره الزمخشري في كشافه، ونصره أتمَّ نصر، وإليه ذهب الشيخ الإمام العلامة أبو العباس ابن تيمية، وشيخنا الحافظ المجتهد أبو الحجاج المِّزِّي، وحكاه لي عن ابن تيمية. قال الزمخشري: ولم ترد كلها مجموعة في أول القرآن، وإنما كررت ليكون أبلغ في التحدي والتبكيت، كما كررت قصص كثيرة، وكرر التحدي بالصريح في أماكن. قال: وجاء منها على حرف واحد كقوله: ص، ن، ق، وحرفين مثل: حم، وثلاثة مثل: المالسور التي بُدئت بحرف واحد هي هذه الثلاث فقط في سور: ن، وص، وق، والتي بدئت بحرفين هي قوله: حم في عشر سور، والذي جاء على ثلاثة أحرف اثنا عشر سورة.

وثلاثة مثل: الم، وأربعة مثل: المر، والمص، وخمسة مثل: كهيعص، وحم ۝ عسق؛ لأن أساليب كلامهم على هذا من الكلمات ما هو على حرف، وعلى حرفين، وعلى ثلاثة، وعلى أربعة، وعلى خمسة؛ لا أكثر من ذلك، ولهذا كل سورة افتتحت بالحروف فلا بد أن يذكر فيها الانتصار للقرآن، وبيان إعجازه، وعظمته، وهذا معلوم بالاستقراء.نحن حينما نلتمس العلة التي سيقت من أجلها الحروف المقطعة نجد بعض الأمور التي لربما يستشف منها بعض العلل، فلا تكاد تذكر غالباً إلا ويذكر بعدها القرآن: الم ۝ ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ [سورة البقرة:1-2]، وفي آل عمران: الم ۝ اللّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ۝ نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ [سورة آل عمران:1-3] هذا في عامة المواضع، إلا أنه يشكل على ذلك بعض السور، وقد ذكرناها، فمن ذلك سورة مريم: كهيعص ۝ ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا [سورة مريم:1-2]، فبعض أهل العلم حاول أن يربط ذلك بالكتاب فقال: ذكرت هنا الرحمة، ولا شك أن الرحمة تشمل الوحي، فإن الوحي رحمة من الله للخلق.

والسورة الثانية العنكبوت: الم ۝ أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ [سورة العنكبوت:1-2]، فذكر في سورة العنكبوت قصصاً، وقالوا: القصص هو من خصائص القرآن، ومن الموضوعات التي تدور فيه التوحيد، والأحكام، والقصص، فالحاصل أن هذه القصص إنما هي من قبيل الوحي كما قال في سورة يوسف: نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ [سورة يوسف:3]، فالحاصل أنهم التمسوا هذا التوجيه.

والسورة الثالثة سورة الروم الم ۝ غُلِبَتِ الرُّومُ [سورة الروم:1-2]، فقالوا: هذا فيه إخبار عن الأمور الغيبية، فهو أخبر عن أمر من الغيب النسبي وهو الهزيمة التي وقعت للروم في مواجهتهم مع الفرس، ولم يعلم بها  المسلمون بعد في مكة، وأخبرهم عن غيب مطلق مستقبل وهو أنها ستكون الكرة لهم، وسينتصرون في بضع سنين، فقالوا: هذا الإخبار عن غيبيات، ولا شك أنه من الوحي، وبالتالي فالقرآن أو الوحي مذكور بعد جميع الحروف المقطعة، ولكن هذا فيه ما فيه، ويكفي أن الغالب في هذه المواضع إنما يذكر فيه القرآن، فهذا قد يستشف منه ما ذكر من قضية التحدي بهذه الحروف أي التحدي بهذا القرآن، فهذا القرآن مكون من هذه الحروف التي تركبون منها الكلام، ومن ثم فأتوا بقرآن مثل هذا.

وهو الواقع في تسع وعشرين سورة، ولهذا يقول تعالى: الم ۝ ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ [سورة البقرة:1-2]، الم ۝ اللّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ۝ نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ [سورة آل عمران:1-3]، المص ۝ كِتَابٌ أُنزِلَ إِلَيْكَ فَلاَ يَكُن فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِّنْهُ [سورة الأعراف:1-2]، الَر كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ [سورة إبراهيم:1]، الم ۝ تَنزِيلُ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِن رَّبِّ الْعَالَمِينَ [سورة السجدة:1-2]، حم ۝ تَنزِيلٌ مِّنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ [سورة فصلت:1-2]، حم ۝ عسق ۝ كَذَلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [سورة الشورى:1-3]، وغير ذلك من الآيات الدالة على صحة ما ذهب إليه هؤلاء لمن أمعن النظر، والله أعلم.على كل حال هناك أقوال شاذة يقطع تماماً ببطلانها مثل الذين قالوا بأن هذه الحروف تفسير بحساب الجُمَّل، وكذلك قول من قال بأن هذه الحروف ترمز إلى أشياء تتعلق بالسورة، وبدؤوا يتكلفون في تركيب السورة بناءً على هذه الحروف في أولها، وأبعد من هذا كله، وأكثر هذه الأقوال شذوذاً وانحرافاً هو قول بعض الجهلة: إن هذه تفسر على أنها من الحروف الهيروكليفية - هذه باللغة المصرية - يقول: أصلاً اللغة المصرية هي أصل اللغة العربية، فيفسر القرآن بهذه اللغة القديمة المنقرضة - إن صحت - فيأتي بمعان عجيبة غاية العجب، إذ لا يعقل ولا يمكن أن القرآن يخاطب الناس بهذا الغموض بلغة أخرى.

  1. أخرجه مسلم في كتاب صلاة المسافرين وقصرها - باب استحباب صلاة النافلة في بيته وجوازها في المسجد (780) (ج 1 / ص 539)، والترمذي في  كتاب فضائل القرآن عن رسول الله ﷺ باب ما جاء في فضل سورة البقرة وآية الكرسي (2877) (ج 5 / ص 157)، وأحمد (9030) (ج 2 /ص 388)، وصححه الألباني في تلخيص أحكام الجنائز (ج1 / ص 86).
  2. أخرجه مسلم في كتاب صلاة المسافرين وقصرها - باب استحباب صلاة النافلة في بيته وجوازها في المسجد (780) (ج 1 / ص 539)، والترمذي في  كتاب فضائل القرآن عن رسول الله ﷺ باب ما جاء في فضل سورة البقرة وآية الكرسي (2877) (ج 5 / ص 157)، وأحمد (9030) (ج 2 /ص 388)، وصححه الألباني في تلخيص أحكام الجنائز (ج1 / ص 86).
  3. سنن  النسائي الكبرى - كتاب عمل اليوم والليلة (10800) (ج 6 /ص 240)، وصحيح الترغيب والترهيب (ج 2/ ص 86).
  4. سنن الدارمي (3375) (ج 2 / ص539)، قال حسين سليم أسد: إسناده ضعيف فطر متأخر السماع من أبي إسحاق السبيعي.
  5. سنن الدارمي (3382) (ج 2 / ص 541)، والطبراني في الكبير (8673) (ج 9 / ص 137)، وقال حسين سليم أسد: رجاله ثقات غير أنه منقطع الشعبي لم يسمع من ابن مسعود.
  6. سنن الدارمي (3383) (ج 2 / ص 541)، وقال حسين سليم أسد: إسناده منقطع كسابقه.
  7. أخرجه ابن حبان في صحيحه (780) (ج 3 / ص 59)، والطبراني في الكبير (5864) (ج 6 / ص 163) وأبو يعلى في مسنده (7554) (ج 13 / ص 465)، وقال الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (ج2 / ص 87): حسن لغيره.
  8. أخرجه الترمذي في كتاب: فضائل القرآن - باب: ما جاء في فضل سورة البقرة وآية الكرسي (2876) (ج 5 / ص 156)، وضعفه الألباني في  ضعيف الترمذي برقم: (541).
  9. أخرج الشطر الأول منه الإمام أحمد (23099) (ج 5 / ص 361)، وأخرجه بتمامه بألفاظ مقاربة الطبراني في الكبير (7542) (ج 8 / ص 118)، وذكره الحاكم في المستدرك (2057) (ج 1 / ص 747) وأصله في صحيح مسلم في كتاب: كتاب صلاة المسافرين وقصرها - باب فضل قراءة القرآن وسورة البقرة (804) (ج 1 / ص 553).
  10. صحيح مسلم في كتاب: كتاب صلاة المسافرين وقصرها - باب فضل قراءة القرآن وسورة البقرة (804) (ج 1 / ص 553).
  11. أخرجه مسلم في كتاب: كتاب صلاة المسافرين وقصرها - باب فضل قراءة القرآن وسورة البقرة (805) (ج 1 / ص 554)، والترمذي في كتاب: فضائل القرآن عن رسول الله ﷺ باب: ما جاء في سورة آل عمران (2883) (ج 5 / ص 160).
  12. أخرجه البخاري في كتاب: فضائل القرآن - باب: إثم من راءى بقراءة القرآن أو تأكل به أو فخر به (4772) (ج 4/ ص 1928)، ومسلم في كتاب: صلاة المسافرين وقصرها- باب: فضيلة حافظ القرآن (797) (ج 1 / ص 549) واللفظ للبخاري.
  13. أخرجه البخاري في كتاب: التفسير - باب: تفسير سورة عبس (4653) (ج 4 / ص 1882)، ومسلم في كتاب: صلاة المسافرين وقصرها - باب: فضل الماهر بالقرآن والذي يتتعتع فيه (798) (ج 1 / ص549) واللفظ للبخاري.
  14. أخرجه البخاري في كتاب: التفسير - باب: تفسير سورة عبس (4653) (ج 4 / ص 1882)، ومسلم في كتاب: صلاة المسافرين وقصرها - باب: فضل الماهر بالقرآن والذي يتتعتع فيه (798) (ج 1 / ص549) واللفظ لمسلم.
  15. أخرجه مسلم في كتاب: المساجد ومواضع الصلاة - باب: من أحق بالإمامة (673) (ج 1 / ص 465).
  16. أخرجه مسلم في كتاب: المساجد ومواضع الصلاة - باب: من أحق بالإمامة (673) (ج 1 / ص 465).
  17. أخرجه أحمد (1775) (ج 1 / ص 207) وابن حبان (7049) (ج 15/ ص 523)، وصححه الألباني في المشكاة (5888).

مرات الإستماع: 0

"قوله: سورة البقرة". 

هذه السورة الكريمة سورة البقرة من السور المدينة بالإجماع، وهي من أوائل السور النازلة في المدينة، وإن كان منها بعض الآيات تأخر نزولها، ومعلوم أن آخر ما نزل على الأرجح هي الآيات الثلاث التي جاءت في أواخر هذه السورة: آية الربا، مع قوله تبارك، وتعالى: وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ [البقرة: 281] وآية الدين.

لكن في الجملة كانت هذه السورة بعامة من أول ما نزل في المدينة، ومن التكلف - فيما أظن، والله أعلم - أن تُرجع هذه السورة التي هي أطول سورة في القرآن إلى موضوع واحد تتحدث عنه، فهي أكثر سور القرآن تناولًا للأحكام، وفيها من الحديث عن بني إسرائيل، واليوم الآخر، ودلائل قدرة الله وعظمته، إضافة إلى الأحكام المتنوعة من أحكام النفقات، والعدد.

وكذلك أيضًا ما يتصل بالربا، والصيام، والحج، والدين.

وكذلك - أيضاً - الحديث عن الطوائف الثلاث في صدرها: أهل الإيمان، والكفار، وأهل النفاق، إلى غير ذلك مما هو معلوم، ومحاولة إرجاع ذلك جميعًا إلى موضوع واحد هذا لا يخلو من تكلف.

وفواصل هذه السورة - يعني الحرف الأخير الذي ورد في آخر هذه السورة - لم يكن ذلك متحدًا، فبعض السور تكون ذات فاصلة واحدة، فسورة الإخلاص مثلًا من ذوات الفاصلة الواحدة قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ۝ اللَّهُ الصَّمَدُ ۝ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ ۝ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ [الصمد: 1 - 4].

وسورة الفاتحة تدور على حرفين: الميم، والنون، أما فواصل هذه فمجموعة في قوله: "قم لندّبر". والاسم المعروف، الاسم المشهور الثابت في هذه السورة هو البقرة، ويقال: سورة البقرة.

وسماها بعض أهل العلم بالزهراء؛ لأن النبي ﷺ سماها، وسمى سورة آل عمران بالزهراوين، وسماها خالد بن معدان بفسطاط القرآن، وذُكر لها أسماءأخرى، لكن لا يُعلم ثبوت شيء منها عن النبي - صلى الله عليه، وآله وسلم -.

وقال بعض أهل العلم: هذه السورة مشتملة على ألف خبر، وألف أمر، وألف نهي.

قوله: الم: أشار المؤلف إلى الخلاف في هذه الحروف المقطعة، وقد أوصل بعض أهل العلم الأقوال فيها إلى أربعين قولًا، وذكر بعضهم واحدًا وعشرين قولًا، وأرجعها إلى ثلاثة أقوال رئيسة:

القول الأول: أنها رموز من كلمات، أو جمل. وتحت هذا ثمانية أقوال.

القول الثاني: أنها أسماء، أو أفعال، أو أوصاف. وتحت هذا أربعة أقوال.

القول الثالث: أنها حروف تهجٍ جيء بها لمعنى. وتحت هذا تسعة أقوال.

وقد يقال: بإن القسمة في الأنواع المذكورة الثلاثة قد لا تنتظم كل ما قيل فيها، فهناك من قال: بأنها حروف تهجٍ لا معنى لها في نفسها.

وهناك من قال: بأنها من المتشابه المطلق الذي لا يعلمه إلا الله - - تبارك، وتعالى - - ويمثلون له على الوقف على لفظ الجلالة في آية آل عمران التي تذكر المتشابه الخاص، وهي قوله تعالى: هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ [آل عمران: 7].

واعلم أن التشابه نوعان:

النوع الأول: تشابه عام. والقرآن متشابه بهذا الاعتبار، فيشبه بعضه بعضًا في الحسن، والفصاحة، والبلاغة، ويصدق بعضه بعضًا، كما قال تعالى: اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ [الزمر: 23].

النوع الثاني: تشابه خاص. وهو ما لم يستقلّ بنفسه في معرفة المراد منه، وإنما احتاج إلى غيره ليتبين معناه.

فقوله - تبارك، وتعالى - في آية آل عمران: هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ... [آل عمران: 7] على الوقف هنا، فمن حمله على تأويل المعنى مثلوا له بالحروف المقطعة، وقالوا: هذا من قبيل المتشابه المطلق الذي لا يعلمه إلا الله.

أي: لا يعلمه الرسول ﷺ ولا غيره، يعني لها معاني لكن لا يعلمها إلا الله، وهذا لا يخلو من إشكال.

والأقرب - والله أعلم -: أن المعنى على الوقف في آية آل عمران وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ [آل عمران: 7] أن ذلك يرجح إلى حقائق الأمور الغيبية من صفات الله - تبارك، وتعالى - ليس المعنى، وإنما الكيفية، فهذه لا يعلمها إلا الله، نحن نعلم معاني الصفات، ولكن لا نعلم الكيفية، فالكيف مجهول - كما قال الإمام مالك، وغيره من السلف -: "الاستواء معلوم، والكيف مجهول"[1].

أي: معلوم من جهة المعنى، ومجهول من جهة الكيفية، ولذلك فإن آية آل عمران  وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ [آل عمران: 7] تُحمل على هذا، أي حقائق الأمور الغيبية، مما يتصل بأمور الغيب، مما أخبر الله عنه كالجنة، والنار، ونحو هذا، كيف هذه الأشياء، وما كُنهها، ما كُنه الحور العين مثلاً، ومن أي مادة خُلقت؟ الإنسان خلق من تراب، ثم من نطفة، أما هي فلا نعلم، وكذا الأنهار الموجودة في الجنة من عسل، ولبن، وخمر لا نعلم مكوناتها، هل هي مثل التي في الدنيا؟ هذه أمور غيبية، وحقائقها إلى الله - تبارك، وتعالى -.

وهذه الحروف جاءت في تسع وعشرين سورة، وجلّ هذه السور من السور المكية، وهذه الحروف من غير تكرار تبلغ نصف الحروف الهجائية، أي أربعة عشر حرفًا، وبالمكرر تبلغ ثمانية وسبعين حرفًا، وجمعها العلماء من غير تكرار بعبارات، مثل: "طرق سمعك النصيحة" وكذلك: "نص حكيم قاطع له سر" أو: "ألم يسطع نور حق كُره"؟ وهذه العبارات، والجمل تُسهل الحفظ لمجموع هذه الحروف.

والحروف نوعان:

النوع الأول: حروف معاني. كحروف الجر، من، وإلى، ونحو ذلك.

النوع الثاني: حروف مباني. أي: تُركّب، وتُبنى منها الكلمات، والألفاظ.

والراجح - والله أعلم -: أن هذه حروف تهج، حروف مبان، وحروف الوحروف المباني لا معنى لها في نفسها، وهذا لا يُشكل على هذا أن القرآن لا يمكن أن يقال: بأن فيه ما ليس له معنى؛ لأن ذلك يكون من قبيل الحشو، وقد قال صاحب المراقي: 

تواتر السبع عليه أجمعوا ولم يكن في الوحي حشو يقع

فهو منزه عن الكلام الذي معنى له، والكلام هو اللفظ المفيد بالوضع، ومعنى اللفظ المفيد: فائدة يحسن السكوت عليها، كما قال ابن مالك:

كلامنا لفظ مفيد كاستقم واسم وفعل ثم حرف الكلم

ثم حرف : المقصود به حرف المعنى، وليس حرف المبنى.

وهذا الذي يقوله النحاة أن الكلام يتكون من أسماء، وأفعال، وحروف معان، أما حروف المباني فليس لها معنى في نفسها، ومن ثم لا يقال بأن القرآن وقع فيه شيء لا معنى له؛ لأن حروف التهجي لا معنى لها أصلًا، بخلاف ما لو،وجد فيه شيء من الألفاظ، أو التراكيب التي ليس معنى، التي هي من قبيل الكلام، يقولون: زيد. اسم، علم، وأما ديز فهو مهمل، وهو مقلوب حروف زيد، فهذا لا معنى له، ولا يوجد في القرآن، هذا في الألفاظ فضلًا عن التراكيب، لكن هذه حروف تهج، وحروف التهجي لا معنى لها عند العرب لا في نفسها، ولا في غيرها، فالألف ليس لها معنى عند العرب، وكذا الباء، وغيرها.

والمشهور عند النحاة أن حروف المعاني للربط، ويعرفون الاسم بأنه ما له معنى في نفسه، ولم يقترن بزمان، والفعل ما دل على معنى في نفسه، واقترن بزمان، والحرف ما ليس له معنى في نفسه - وأيضًا - لم يقترن بزمان، مع أن شيخ الإسلام يعترض على هذا باعتبار أن حروف المعاني لها معنى في نفسها، ففي تدل على الظرفية، وعلى تدل على الاستعلاء، وفي ما يظهر من كلام النحاة أنهم لا يقصدون هذا.

فإن قيل: إذا كانت لا معنى لها في نفسها، فما الحكمة من ورودها؟.

الجواب: الحكمة من ذلك هي الإشارة إلى الإعجاز، وقد قال بهذا شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - وأبو الحجاج المزي[2] والفراء، وقطرب[3] وصاحب الكشاف[4]، وغيرهم.

وهذه الحروف منها ما جاء على حرف واحد، وهذا في ثلاث سور: (ن)، و(ق)، و(ص).

ومنها ما جاء على حرفين، وهذا في عشر سور: (يس)، ونحو ذلك.

ومنها ما جاء على ثلاثة أحرف، وهذا في ثنتي عشرة سورة.

ومنها ما جاء على أربعة أحرف، وهذا في سورتين.

ومنها ما جاء على خمسة أحرف، وهذا - أيضاً - في سورتين.

ومما يدل على أنها تشير إلى الإعجاز:

أنها لا تكاد تُذكر إلا ويُذكر القرآن بعدها - كقوله تعالى -: الم ۝ ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ [البقرة: 1، 2]، وفي سورة آل عمران: الم ۝ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ۝ نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ [آل عمران: 1 - 3]، واستثني من هذا ثلاث سور لم يُذكر القرآن بعدها، لكن ذُكر بعدها ما يشير إليه، كما في سورة مريم: ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا [مريم: 2]، وهذه إحدى خصائص القرآن، فهو رحمة الله من الله - تبارك، وتعالى - وفي سورة العنكبوت ذكر الابتلاء: وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ [العنكبوت: 3]، وذكر قصص الأنبياء - عليهم الصلاة، والسلام - وهذا من خصائص القرآن، وكذلك في سورة الروم ذكر واحدة من خصائص القرآن، وهي الإخبار بالأمور الغيبية فقال: غُلِبَتِ الرُّومُ ۝ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ [الروم: 2، 3]، ويمكن أن يقال بأن ذلك كله يجمعه الوحي ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا [مريم:2] فهذا الذكر من الوحي، أوحى الله به إلى نبيه - صلى الله عليه، وآله، وسلم -  وهكذا في سورة العنكبوت، فهذه القصص هي من جملة الوحي، وكذلك في سورة الروم فإن الإخبار بالغيوب من الوحي. 

أما الافتتاح بهذه الحروف الثلاثة الم فقد جاء في ست سور من القرآن.

"اختلف فيه، وفي سائر حروف الهجاء في أوائل حروف السور، وهي: (المص)، و(الر)، و(المر)، و(كهيعص)، (وطه)، و(طسم)، و(طس)، و(يس)، و(ص)، و(حم)، و(حم عسق)، و(ق)، و(ن)، فقال قوم: لا تفسر لأنها من المتشابه الذي لا يعلم تأويله إلّا الله."

قوله: "فقال قوم: لا تفسر لأنها من المتشابه الذي لا يعلم تأويله إلّا الله": يقصدون به المتشابه المطلق، وهذا يرد عليه إشكال: وهو كيف خاطبنا الله بشيء لا يعلم معناه النبي ﷺ ولا غيره؟ والله  قال عن هذا القرآن: بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ [الشعراء: 195]، وقال: وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ [القمر: 17]، وهذا يشمل تيسير الألفاظ، وتيسير المعاني.

"قال أبو بكر الصديق : لله في كل كتاب سرّ، وسرّه في القرآن فواتح السور[5]."

هذا لا يُعلم ثبوته عن أبي بكر .

"وقال قوم: تفسر."

أي: أنها ليست من قبيل المتشابه المطلق، وأن لها معنى. 

"ثم اختلفوا فيها، فقيل: هي أسماء للسور."

وهذا مروي عن زيد بن أسلم، وابنه، وأبي فاختة[6].

"وقيل: أسماء لله."

وهذا كله لا دليل عليه.

"وقيل: أسماء أقسم الله بها."

والمنقول عن ابن عباس - ا - وعكرمة[7] ومن قال بقولهما أنها حروف، وأقسم الله بها لشرفها، باعتبار أنها مباني الكتب المنزلة، وبها يكون ذكره، وتوحيده، فهذه قسم، ويكون جواب القسم على هذا كما يقوله بعضهم كابن الأنباري: يكون مقدرًا محذوفًا، وحروفِ المعجم تدل على القسم، مثلاً: لقد بيّن الله لكم السبيل، أو نحو ذلك، وهذا فيه بعد. 

قال: وهذا - أيضاً - فيه تعظيم لحروف المعجم باعتبار أنه يركب منها الكلام، ومعلوم أن القسم لا يكون إلا بمعظم. 

هذه الأقوال لا دليل عليها، ولا يُعرف في لغة العرب القسم بحروف المعجم، والقرآن إنما نزل بلغة العرب، وعلى معهودهم في الخطاب.

"وقيل: هي حروف مقطعة من كلمات، فالألف من الله، واللام من جبريل، والميم من محمد - صلّى الله عليه، وآله، وسلّم -  ومثل ذلك في سائرها."

أي: أن كل حرف يرمز إلى كلمة، فالألف من الله، واللام من جبريل، والميم من محمد ﷺ وهذا لا حد له، فلكل أحد أن يتخيل هذه الأشياء، والألفاظ التي يُدعى أنها ترمز إليها، ولا يكون تناول القرآن، والكلام في تفسيره بهذه الطريقة.

"وورد في الحديث: أن بني إسرائيل فهموا أنها تدل بعدد حروف أبي جاد على السنين التي تُبقي هذه الأمة."

هذا باعتبار ما يسمى بحساب الجُمّل، أي أن كل حرف من حروف التهجي له قيمة عددية، في الآحاد، والعشرات، والمئات، وهكذا، ولذلك تجد بعض أصحاب المنظومات، وبعض المؤلفين في المنثور يذكر في آخر الكتاب أنه ألفه، وهو ابن كذا، فيذكر حرفين، فهذان الحرفان يشيران إلى عمر المؤلف، أو الناظم حينما نظم هذه القصيدة، أو المنظومة، وتجد بعضهم لربما ذكر عدد أبيات القصيدة، وعبر عنها بحروف، وهذا كثير.

فحساب الجُمّل ليس من علوم العرب، وإنما هو من علوم اليهود، وقد ذكر الشاطبي - رحمه الله - في الموافقات ما حاصله أن معاني القرآن، وتفسيره لا يصح حملها على غير معهود العرب، أو ما هو خارج عن علومهم، كالعلوم الفلسفية؛ فلا يجوز تفسير القرآن بالفلسفة، وكذلك أيضًا أن تُفسر هذه الحروف بحساب الجُمّل، أي أن كل حرف يرمز إلى عدد، ومن ثم حاولوا أن يستخرجوا عمر هذه الأمة، ومتى قيام الساعة؟ وما إلى ذلك، وليس لهذا أصل.

فلا يصح أن يفسر القرآن به؛  لأنه ليس من معهود الأميين، ليس من معهود العرب، ولا من علومهم، والقرآن إنما نزل مخاطباً لهم.

"وسمع النبي ﷺ منهم ذلك فلم ينكره[8]."

هذا لا يصح في حديث عن النبي ﷺ وقد جاء من حديث ابن عباس - ا - عن جابر بن رئاب قال: مر أبو ياسر بن أخطب برسول الله ﷺ وهو يتلو فاتحة سورة البقرة: الم فأتى أخاه حيي بن أخطب فأخبره... وسياقه طويل، والمقصود أنهم ذكروا ما يتصل ببقاء هذه الأمة، وهذا لا يصح من جهة الإسناد، كما لا يصح التفسير به لما سبق.

"وقد جمع أبو القاسم السُهيلي عددها على ذلك بعد أن أسقط المتكرر، فبلغت تسعمائة، وثلاثة."

 أي أربعة عشر حرفًا، فمجموعها من الناحية العددية تسعمائة وثلاثة، ونحن الآن من بعد هجرة النبي ﷺ في سنة ألف وأربعمائة وست وثلاثين، ولم تنته الأمة، مع أن هذه السورة من أوائل السور النازلة بعد الهجرة.

"وإعراب هذه الحروف يختلف بالاختلاف في معناها."

إن قيل بأنها أسماء حروف تهجٍ؛ لأنه منطوق بأسماء الحروف، بمعنى أن الميم اسم لـ [مه]، والعين اسم لـ [عه]، فإذا أردت أن تنطق حرف التهجي كحرف من غير أن تنطق باسمه فتقول في الزاي: زه. وفي الميم: مه. وفي العين: عه. ونحو ذلك، وأما المذكور هنا في هذه الحروف المقطعة فهو أسماؤها، وقد مضى الكلام في مقدمات هذا الكتاب في الكلام على الفضائل في قول النبي ﷺ: لا أقول الم حرف، ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف[9] وكما يقول شيخ الإسلام من أن النطق بأسماء الحروف يدل على أن المراد بالحرف في الحديث الكلمة، وليس حرف التهجي[10] باعتبار أن النبي ﷺ نطق بأسمائها، ولم ينطق بنفس الحرف كحرف تهجٍ، وبهذا الاعتبار تكون الألف مكونة من ثلاثة أحرف تهجٍ، ألف إذا نطقت باسمه ألف.

وعلى القول بأنها أسماء حروف تهج بمعنى أن الميم اسم لـ (مه)، وهكذا، ولا معنى لها، فعلى هذا التفسير فإنه لا محل لها من الإعراب، وبعضهم يقول بأنها معربة، ولكن فات شرط، وهو التركيب، ومعلوم أن الكلام الذي يتصل به الإعراب عند النحاة هو الكلام المركب، وإلى هذا يميل صاحب الكشاف، وبعضهم يقول: هي موقوفة لا معربة، ولا مبنية.

وعلى القول بأنها أسماء للسور، أو أسماء لله، وأنه حُذف بعضها، وبقيت هذه الحروف تدل عليها، فيكون لها موضع من الإعراب كما ذكره المؤلف.

"فيتصور أن تكون في موضع رفع، أو نصب، أو خفض، فالرفع على أنها مبتدأ."

قوله: فالرفع على أنها مبتدأ: فتكون الم مبتدأ، والخبر: ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ [البقرة: 2].

"أو خبر ابتداء مضمر."

أي أن المبتدأ مقدر، ولكن الأصل عدم التقدير، هذا على أنها مرفوعة.

"والنصب على أنها مفعول بفعل مضمر."

مثلًا: اقرأوا (الم)، اقرأوا (يس) فتكون في محل نصب مفعول به.

"والخفض على قول من جعلها مقسمًا بها كقولك: اللهِ لأفعلن."

فهنا حُذف حرف القسم، وبقي عمله، أي واللهِ لأفعلن، وحروف القسم ثلاثة: الواو، والباء، والتاء، كما في قولك: واللهِ، تاللهِ، باللهِ. ولو جعلنا هذه الحروف مقسمًا بها يكون حرف القسم محذوفًا.

"وإنما سكنت لأنها لم يدخل عليها عامل يقتضي حركة، فسكونها للوقف لا للبناء، كقولك: واحد، اثنان."

 معروف أن الإعراب هو تغير، أواخر الكلم، أي الحركات، وما يقوم مقامها باختلاف العوامل الداخلة عليها، وهذه لم يسبقها عامل، فكان هذا السكون للوقف لا للبناء؛ لأن الحروف المبنية قد تلزم البناء بالسكون، أو الفتح، أو الضم، لكن يريد أن يقول بأن السكون هنا ليس حركة بناء، وإنما هي معربة، لكن لم يدخل عليها عامل.

وهذا الكلام - والله أعلم - كله لا دليل عليه، فإذا قلنا بأنها حروف تهجٍ لا معنى لها في نفسها فلا يجري عليها ذلك، أي لا محل لها من الإعراب.

  1. انظر: حلية الأولياء، وطبقات الأصفياء (6/326).
  2. انظر: أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن (2/167)
  3.  تفسير القرطبي (1/155).
  4. تفسير الزمخشري (1/20)
  5.  عزاه المناوي في الفتح السماوي (1/130)، للثعلبي في تفسيره، وعلقه  البغوي في تفسيره (1/59) عن أبي بكر. ولم  أجده مسندا.
  6.  انظر: زاد المسير في علم التفسير (1/26).
  7.  زاد المسير في علم التفسير (1/25).
  8.  أخرجه الطبري في تفسيره (1/217)، والبخاري في التاريخ الكبير (2/208).
  9.  أخرجه الترمذي، أبواب فضائل القرآن، باب ما جاء فيمن قرأ حرفا من القرآن ماله من الأجر، رقم: (2910).
  10.  مجموع الفتاوى (12/107).

مرات الإستماع: 0

وقد افتتحت هذه السورة بالحروف المقطعة حروف التهجي وجاء هذا الافتتاح بألف لام ميم، في ست سور، وعدد الحروف المقطعة في أوائل السور جميعاً بحذف التكرار تبلغ أربعة عشر حرفاً، ومع التكرار تبلغ ثمانية وسبعين من الحروف، هذه الحروف غير المُكررة الأربعة عشر مجموعة في قولك: طرق سمعك النصيحة، هذه كل الحروف المقطعة في القرآن في أوائل السور من غير تكرار، أو في قولك: نص حكيم قاطع له سر، هذه الحروف المقطعة ذكر بعضهم فيها نحواً من أربعين قولاً، وذكر بعضهم واحداً وعشرين قولاً ونحن في مثل هذه المجالس لا نذكر التفسير ولكني أُشير إلى بعض اللفتات واللطائف لأتوصل إلى ما يمكن أن يُقال في هذه الحروف المقطعة من لفتة ربما تكون مقصودة والله تعالى أعلم.

لكن حاصل المعاني التي ذكروها في الحروف المقطعة يمكن أن ترجع إلى ثلاثة رئيسة، يتفرع من كل قول منها الأقوال الأخرى، يعني: من قال إنها تبلغ واحداً وعشرين قولاً أعاد ذلك إلى ثلاثة أقوال رئيسة:

  • الأول: أنها رموز من كلمات أو جُمل، وهذا تحته ثمانية أقوال، هذه الثمانية ترجع إلى أن ذلك من قبيل الرموز رموز من كلمات أو جُمل، يعني: الحرف يرمز لكلمة أو يرمز لجملة.
  • الثاني: أنها أسماء أو أفعال أو أوصاف، يعني: هل هذا اسم للنبي ﷺ مثلاً طه، وهكذا قاف هل هو اسم لشيء اسم لجبل أو غير ذلك، فتحت هذا أربعة أقوال.
  • الثالث: أن ذلك من قبيل حروف التهجي جيء بها لمعنى، ما هذ المعنى الذي قُصد؟ هذا تحته تسعة أقوال.

لكن بصرف النظر عن هذه الأقوال المتعددة، فإن هذه الحروف وغيرها من الحروف المقطعة في أوائل السور تشير إلى قضية وهي الإعجاز، إعجاز القرآن الكريم، فالله تبارك وتعالى تحدى بهذا القرآن فعجز أولئك الذين طرق سمعهم القرآن لأول وهلة عن الإتيان بمثله مع فصاحتهم وبلاغتهم مع ما عندهم من الأنفة مع شدة الحنق والعداوة ومع ذلك عجزوا، ولا زال الناس في حال من العجز البالغ إلى يومنا هذا إلى يوم القيامة، وكل من يطعن في القرآن أو يتكلم في دين الإسلام، أو يُشكك أو يُلبس فيه، نقول بيننا وبينك هذا القرآن إيت بسورة بأقصر سورة منه ثم بعد ذلك نتناقش، فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ [البقرة:24]، هذا الذي بيننا وبينهم، كل طاعن في الإسلام كل مُشكك كل مُلبس بيننا وبينه شيء واحد، هات أقصر سورة، هات ما يعدل أو هات مثل أقصر سورة في القرآن، أقصر سورة، وهذه السور نازلة على سبعة أحرف، هذا القرآن نازل على سبعة أحرف هات على وجه واحد، فإن عجز فنقول إذاً هذا كلام الله فعليك أن تُسلم به، وكل ما دل عليه من الهدايات والعقائد والأحكام والأخبار كل ذلك حق وصدق لابد أن تؤمن بهذا، والذي جاء به هو محمد ﷺ وهو نبي، وقد أخبر هذا القرآن أنه خاتم الرسل ﷺ فلا نبي بعده، وجاء مُصدقاً لجميع الرسل عليهم الصلاة والسلام، وقد أمر الله بطاعته وقرن طاعة هذا الرسول ﷺ بطاعته، فمن كان يدعي الإيمان آمن بهذا القرآن فليُطع رسول الله صلى الله عليه سلم وليُذعن لسنته؛ لأنها الشارحة للقرآن، والذين نقلوا إلينا هذا القرآن هم أصحاب النبي ﷺ الذين اصطفاهم الله واختارهم لصحبته من بين العالمين عن علم، وهم الذين بلغونا هذا القرآن، فكل طاعن في السنة وفي النقلة من أصحاب النبي ﷺ وهم رواة هذا الدين وحملته نقول له هذا القرآن من أين جاء، من الذي نقله إليك، هذا الذي تقرؤونه إن كنتم تؤمنون به، فمن الذي نقله لكم؟ هل هم كذبة كفار؟ فلابد أن يقبل ما جاء في القرآن من الثناء عليهم وتزكيتهم في مواضع لا تخفى من كتاب الله ، وهكذا ما جاء في أم المؤمنين عائشة ا من براءتها كل هذا دل عليه القرآن.

وهكذا ما دل عليه من حقائق الآخرة والأسماء والصفات والإيمان وما إلى ذلك من قضايا الاعتقاد، هذا كل يُبطل المذاهب الباطلة الفاسدة، المذاهب الفلسفية والكلامية، ومذاهب الباطنية على اختلاف أنواعها ونِحلها؛ لأن هذا القرآن دل على هذه الحقائق بصورة واضحة وهم يؤلونها ويحرفونها.

القرآن زكى هؤلاء الصحابة، زكى أم المؤمنين عائشة، فالطاعن فيهم طاعن في القرآن، لم يؤمن بالقرآن، هؤلاء نقلته، وهو الذي زكاهم وهم أصحاب رسول الله ﷺ، وهكذا، فلا نحتاج إلى أن نطول الكلام مع هؤلاء المُبطلين بصنوفهم ومِللهم ومذاهبهم وإنما نقول لهم: أولاً أول شيء هذا القرآن، هاتوا سورة واحدة، فإن عجزوا فعند ذلك يكون إعلاناً للإفلاس والانقطاع فيكون بعد ذلك مُبطلاً يُريد إبطال الحق أو ترويج الباطل الذي يحمله ومثل هذا لا يستحق أن يُناقش، ولهذا قال الله : وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ [العنكبوت:46]، فهؤلاء لا يطلبون الحق، فهؤلاء لا مجال للجدال معهم؛ لأنهم لا يُجدي معهم الجدل إنما قصدوا إبطال الحق أو إقرار الباطل، ولذلك انظر إلى الردود القرآنية والجدل في القرآن تجد أنه يقطع ذلك أحياناً، حينما قالوا: إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا، مُكابرة جاء الرد هكذا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا [البقرة:275]، لم يطول معهم في الحُجج العقلية والإقناع وضروب الجدال وإنما قال هذا فقط، أحل الله البيع وحرم الربا، انتهى، تؤمن بالله الله حرم هذا وأنتم عبيده وأحل هذا وأنتم عبيده ليس عليكم إلا الإذعان، فيُقطع المُبطل بهذه الطريقة، هذا الذي يُجادل في السنة ويقول دعونا في القرآن والسنة فيها وفيها، نقول له: أخبرنا كم تصلي الظهر، وكم تصلي العصر، وكم تصلي المغرب، وكم تصلي العشاء وكم تصلي الفجر، قبل كل شيء، وماذا تقرأ في الركعة الأولى، وماذا تفعل بالركوع، وكيف ترجع وتسجد، وكيف تفعل في هذه الصلاة، كيف تؤديها، فإذا قال لا أُصلي نقول لا جدال معك، نحتاج أن نتحدث معك عن الإسلام وعن وجوب الصلاة وعن ما يُدخل به هذا الدين فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ [التوبة:5]، وفي الآية الأخرى: فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ [التوبة:11]، فإذا قال أنا أُصلي، نقول: كم صلاة تُصلي في اليوم والليلة، خمس صلوات، كم ركعة في هذه الصلوات؟ من أين أتيت بهذا؟ لابد أن يقول هذا جاء مشروحاً في السنة إلا إذا كان قد بلغ في الجهل غايته وقال إن هذه الأشياء كلها مفصلة في القرآن فهذا يكون قد رفع راية ونصب علماً يُنادي على نفسه بالجهل، فإذا قال هذا في السنة عندها يُقال له إذاً أقررت على نفسك أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ [البقرة:85]، كيف تنتقي وتأخذ من السنة ما يوافق هواك وتترك الباقي وتقول لا حاجة إليه، وهكذا.

فالمقصود أ، هذا القرآن جاء مُعجزاً وقد تحدى الله تبارك وتعالى هؤلاء العرب وغير العرب وهو تحدٍ قائم إلى قيام الساعة أن يؤتى بمثل هذا القرآن، هذا القرآن مُركب من هذه الحروف التي تركبون منها كلامكم فركبوا منه ما يُضاهي القرآن، فلما عجزوا وانقطعوا تبين أنه حق من عند الله تبارك وتعالى، ولذلك أيها الأحبة! لم يأتي أحد في التاريخ يُحاكي القرآن أبداً، وكل الذين حاولوا انقطعوا لم يستطيعوا، وكان بعضهم يكتب ثم يُمزق لا يُخرجه للناس، وقرأوا في أخبار هؤلاء، لم يجترئ أحد أن يتفوه إلا مُسيلمة الذي إذا ذُكر ذكر الكذب معه مُسيلمة الكذاب، نحن لا نعرف نسبه إلا أننا نعرف مُسيلمة الكذاب يُنسب إلى الكذب، من منكم يعرف نسب مُسيلمة من هو أبوه وجده إلى آخره، هو من بني حنيفة لأنهم قتلوا في حروب الردة، لكن ما نسبه؟ تعرفونه! نسب النبي ﷺ يحفظه صغار التلاميذ لكن نسب مُسيلمة من يحفظه، إنما يُعرف نسبه إلى الكذب فقط، والطاحنات طحنا، فالعاجنات عجنا، فالخابزات خبزا، فاللاقمات لقما، الفيل ما الفيل وما أدراك ما الفيل، له خرطوم طويل وذيل قصير، يا ضفدع نقي كما تنقين نصفك في الماء ونصفك في الطين، هذه سورة الضفدع، والتي قبلها سورة الفيل، واللي قبلها سورة الطاحنات، طحنه الله في النار، فهذا مُسيلمة الكذاب إذا ذُكرت هذه الأشياء تضاحك الناس، ومن لا يضحك فإنه يُداري ذلك ويدفعه عن نفسه، بينما إذا قُرئ القرآن خشعت له النفوس وأذعنت واطمأنت وهكذا.

فهذه الحروف أيها الأحبة! ذُكرت في افتتاح السور ولهذا لا تكاد تُذكر إلا ويُذكر معها القرآن بعدها أو الوحي إلا في مواضع يسيرة قد حملها بعض أهل العلم على محامل لتكون جارية على هذا المهيع، يعني انظروا في الحروف المقطعة في سورة البقرة: الم ۝ ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ [البقرة:1-2]، في سورة آل عمران الم ۝ اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ۝ نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالإِنْجِيلَ ۝ مِنْ قَبْلُ هُدًى لِلنَّاسِ وَأَنْزَلَ الْفُرْقَانَ [آل عمران:1-4]، وقل مثل ذلك في سائر السور، الم ۝ تَنزِيلُ الْكِتَابِ لا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ [السجدة:1-2]، لكن في مثل سورة نون مثلاً ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ ۝ مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ [القلم:1-2]، هنا لم يُصرح بذكر الكتاب، لكنه أشار إليه بذكر النِعمة وهي الوحي والنبوة، وهكذا.

مرات الإستماع: 0

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
فسيكون الكلام على ما تيسير من الهدايات من هذه السورة الكريمة التي تضمنتها في آياتها وجُملها، فأسأل الله -تبارك وتعالى- أن ينفعنا وإياكم بما نقول ونسمع.

هذه السورة "سورة البقرة" فواصلها تجتمع في هذه الحروف التي رُكبت بـ "قُم فلنتدبر"، نحن قلنا: بأن سورة الفاتحة فواصلها تدور على النون والميم، يعني: آخر حرف في كل آية، أما فواصل سورة البقرة "قُم فلنتدبر"، القاف، والميم، والفاء، واللام، والنون، والتاء، والدال، والباء، والراء.

وقد افتتحت هذه السورة بالحروف المقطعة حروف التهجي، وجاء هذا الافتتاح بألف لام ميم، في ست سور، وعدد الحروف المقطعة في أوائل السور جميعًا بحذف التكرار تبلغ أربعة عشر حرفًا، ومع التكرار تبلغ ثمانية وسبعين من الحروف، هذه الحروف غير المُكررة الأربعة عشر مجموعة في قولك: "طرق سمعك النصيحة".

وهذه كل الحروف المقطعة في القرآن في أوائل السور من غير تكرار، أو في قولك: "نص حكيم قاطع له سر"، هذه الحروف المقطعة ذكر بعضهم فيها نحوًا من أربعين قولاً، وذكر بعضهم واحدًا وعشرين قولاً، ونحن في مثل هذه المجالس لا نذكر التفسير ولكني أُشير إلى بعض اللفتات واللطائف لأتوصل إلى ما يمكن أن يُقال في هذه الحروف المقطعة من لفتة ربما تكون مقصودة -والله تعالى أعلم.

لكن حاصل المعاني التي ذكروها في الحروف المقطعة يمكن أن ترجع إلى ثلاثة رئيسة، يتفرع من كل قول منها الأقوال الأخرى، يعني: من قال: إنها تبلغ واحدًا وعشرين قولاً أعاد ذلك إلى ثلاثة أقوال رئيسة:

  • الأول: أنها رموز من كلمات أو جُمل، وهذا تحته ثمانية أقوال، هذه الثمانية ترجع إلى أن ذلك من قبيل الرموز، رموز من كلمات أو جُمل، يعني: الحرف يرمز لكلمة، أو يرمز لجملة.
  • الثاني: أنها أسماء أو أفعال أو أوصاف، يعني: هل هذا اسم للنبي ﷺ مثلاً: طه، وهكذا قاف هل هو اسم لشيء اسم لجبل أو غير ذلك، فتحت هذا أربعة أقوال.
  • الثالث: أن ذلك من قبيل حروف التهجي جيء بها لمعنى، ما هذ المعنى الذي قُصد؟ هذا تحته تسعة أقوال.

لكن بصرف النظر عن هذه الأقوال المتعددة، فإن هذه الحروف وغيرها من الحروف المقطعة في أوائل السور تشير إلى قضية وهي الإعجاز، إعجاز القرآن الكريم، فالله -تبارك وتعالى- تحدى بهذا القرآن فعجز أولئك الذين طرق سمعهم القرآن لأول وهلة عن الإتيان بمثله مع فصاحتهم وبلاغتهم مع ما عندهم من الأنفة مع شدة الحنق والعداوة ومع ذلك عجزوا، ولا زال الناس في حال من العجز البالغ إلى يومنا هذا إلى يوم القيامة.

وكل من يطعن في القرآن أو يتكلم في دين الإسلام، أو يُشكك أو يُلبس فيه، نقول: بيننا وبينك هذا القرآن هات سورة مثل أقصر سورة منه ثم بعد ذلك نتناقش فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ [سورة البقرة:24] هذا الذي بيننا وبينهم، كل طاعن في الإسلام كل مُشكك كل مُلبس بيننا وبينه شيء واحد، هات أقصر سورة، هات ما يعدل أو هات مثل أقصر سورة في القرآن، أقصر سورة، وهذه السور نازلة على سبعة أحرف، هذا القرآن نازل على سبعة أحرف هات على وجه واحد؟

فإن عجز فنقول: إذن هذا كلام الله فعليك أن تُسلم به، وكل ما دل عليه من الهدايات والعقائد والأحكام والأخبار كل ذلك حق وصدق لابد أن تؤمن بهذا، والذي جاء به هو محمد ﷺ وهو نبي، وقد أخبر هذا القرآن أنه خاتم الرسل -عليه الصلاة والسلام- فلا نبي بعده، وجاء مُصدقًا لجميع الرسل -عليهم الصلاة والسلام.

وقد أمر الله بطاعته وقرن طاعة هذا الرسول -عليه الصلاة والسلام- بطاعته، فمن كان يدعي الإيمان آمن بهذا القرآن فليُطع رسول الله ﷺ وليُذعن لسنته؛ لأنها الشارحة للقرآن، والذين نقلوا إلينا هذا القرآن هم أصحاب النبي ﷺ الذين اصطفاهم الله واختارهم لصحبته من بين العالمين عن علم، وهم الذين بلغونا هذا القرآن، فكل طاعن في السنة وفي النقلة من أصحاب النبي ﷺ وهم رواة هذا الدين وحملته، نقول له: هذا القرآن من أين جاء؟ من الذي نقله إليك؟ هذا الذي تقرؤونه إن كنتم تؤمنون به، فمن الذي نقله لكم؟ هل هم كذبة كفار؟!

فلابد أن يقبل ما جاء في القرآن من الثناء عليهم، وتزكيتهم في مواضع لا تخفى من كتاب الله وهكذا ما جاء في أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- من براءتها كل هذا دل عليه القرآن.

وهكذا ما دل عليه من حقائق الآخرة والأسماء والصفات والإيمان وما إلى ذلك من قضايا الاعتقاد، هذا كله يُبطل المذاهب الباطلة الفاسدة، المذاهب الفلسفية والكلامية، ومذاهب الباطنية على اختلاف أنواعها ونِحلها؛ لأن هذا القرآن دل على هذه الحقائق بصورة واضحة، وهم يؤلونها ويحرفونها.

القرآن زكى هؤلاء الصحابة، زكى أم المؤمنين عائشة، فالطاعن فيهم طاعن في القرآن، لم يؤمن بالقرآن، هؤلاء نقلته، وهو الذي زكاهم، وهم أصحاب رسول الله ﷺ وهكذا، فلا نحتاج إلى أن نطول الكلام مع هؤلاء المُبطلين بصنوفهم ومِللهم ومذاهبهم، وإنما نقول لهم:

أولاً: أول شيء هذا القرآن، هاتوا سورة واحدة، فإن عجزوا فعند ذلك يكون إعلانًا للإفلاس والانقطاع فيكون بعد ذلك مُبطلاً يُريد إبطال الحق، أو ترويج الباطل الذي يحمله، ومثل هذا لا يستحق أن يُناقش، ولهذا قال الله : وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ [سورة العنكبوت:46] فهؤلاء لا يطلبون الحق، فهؤلاء لا مجال للجدال معهم؛ لأنهم لا يُجدي معهم الجدل، إنما قصدوا إبطال الحق أو إقرار الباطل.

ولذلك انظر إلى الردود القرآنية والجدل في القرآن تجد أنه يقطع ذلك أحيانًا، حينما قالوا: إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا [سورة البقرة:275] مُكابرة جاء الرد هكذا: وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا [سورة البقرة:275] لم يطول معهم في الحُجج العقلية والإقناع وضروب الجدال، وإنما قال هذا فقط، أحل الله البيع وحرم الربا، انتهى، تؤمن بالله الله حرم هذا، وأنتم عبيده وأحل هذا، وأنتم عبيده ليس عليكم إلا الإذعان، فيُقطع المُبطل بهذه الطريقة.

هذا الذي يُجادل في السنة ويقول: دعونا في القرآن والسنة فيها وفيها، نقول له: أخبرنا كم تصلي الظهر، وكم تصلي العصر، وكم تصلي المغرب، وكم تصلي العشاء وكم تصلي الفجر؟ وقبل كل شيء، وماذا تقرأ في الركعة الأولى، وماذا تفعل بالركوع، وكيف ترجع وتسجد، وكيف تفعل في هذه الصلاة، كيف تؤديها، فإذا قال: لا أُصلي، نقول: لا جدال معك، نحتاج أن نتحدث معك عن الإسلام، وعن وجوب الصلاة، وعن ما يُدخل به هذا الدين: فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ [سورة التوبة:5] وفي الآية الأخرى: فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ [سورة التوبة:11] فإذا قال أنا أُصلي، نقول: كم صلاة تُصلي في اليوم والليلة، خمس صلوات، كم ركعة في هذه الصلوات؟ من أين أتيت بهذا؟

لابد أن يقول: هذا جاء مشروحًا في السنة إلا إذا كان قد بلغ في الجهل غايته، وقال: إن هذه الأشياء كلها مفصلة في القرآن فهذا يكون قد رفع راية ونصب علمًا يُنادي على نفسه بالجهل، فإذا قال: هذا في السنة، عندها يُقال له: إذًا أقررت على نفسك أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ [سورة البقرة:85] كيف تنتقي وتأخذ من السنة ما يوافق هواك وتترك الباقي؟! وتقول: لا حاجة إليه! وهكذا.

فالمقصود أن هذا القرآن جاء مُعجزًا، وقد تحدى الله -تبارك وتعالى- هؤلاء العرب وغير العرب، وهو تحدٍ قائم إلى قيام الساعة أن يؤتى بمثل هذا القرآن، هذا القرآن مُركب من هذه الحروف التي تركبون منها كلامكم فركبوا منه ما يُضاهي القرآن، فلما عجزوا وانقطعوا تبين أنه حق من عند الله -تبارك وتعالى- ولذلك لم يأت أحد في التاريخ يُحاكي القرآن أبدًا، وكل الذين حاولوا انقطعوا لم يستطيعوا، وكان بعضهم يكتب ثم يُمزق لا يُخرجه للناس، واقرأوا في أخبار هؤلاء، لم يجترئ أحد أن يتفوه إلا مُسيلمة الذي إذا ذُكر ذكر الكذب معه مُسيلمة الكذاب، نحن لا نعرف نسبه إلا أننا نعرف مُسيلمة الكذاب، يُنسب إلى الكذب، لا أحد يعرف نسب مُسيلمة من هو أبوه وجده إلى آخره، هو من بني حنيفة؛ لأنهم قتلوا في حروب الردة، بينما نسب النبي ﷺ يحفظه صغار التلاميذ لكن نسب مُسيلمة من يحفظه، إنما يُعرف نسبه إلى الكذب فقط: "والطاحنات طحنا، فالعاجنات عجنا، فالخابزات خبزا، فاللاقمات لقما"[1].

"الفيل ما الفيل وما أدراك ما الفيل، له خرطوم طويل وذيل قصير"[2].

"يا ضفدع نقي كما تنقين نصفك في الماء ونصفك في الطين"[3] هذه سورة الضفدع، والتي قبلها سورة الفيل، والتي قبلها سورة الطاحنات، طحنه الله في النار.

فهذا مُسيلمة الكذاب إذا ذُكرت هذه الأشياء تضاحك الناس، ومن لا يضحك فإنه يُداري ذلك ويدفعه عن نفسه، بينما إذا قُرئ القرآن خشعت له النفوس، وأذعنت، واطمأنت، وهكذا.

فهذه الحروف ذُكرت في افتتاح السور، ولهذا لا تكاد تُذكر إلا ويُذكر معها القرآن بعدها أو الوحي إلا في مواضع يسيرة قد حملها بعض أهل العلم على محامل لتكون جارية على هذا المهيع، يعني انظروا في الحروف المقطعة في سورة البقرة:الم ۝ ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ [سورة البقرة:1، 2] وفي سورة آل عمران: الم ۝ اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ۝ نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالإِنْجِيلَ ۝ مِنْ قَبْلُ هُدًى لِلنَّاسِ وَأَنْزَلَ الْفُرْقَانَ [سورة آل عمران:1- 4] وقل مثل ذلك في سائر السور: الم ۝ تَنزِيلُ الْكِتَابِ لا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ [سورة السجدة:1، 2] لكن في مثل سورة نون مثلاً: ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ ۝ مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ [سورة القلم:1، 2] هنا لم يُصرح بذكر الكتاب، لكنه أشار إليه بذكر النِعمة وهي الوحي والنبوة، وهكذا.

يقول الله -تبارك وتعالى: ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ [سورة البقرة:2] ذلك الكتاب وهو القرآن العظيم الذي لا شك أنه من عند الله، فلا يصح أن يرتاب فيه أحد، وليس هو أيضًا بمبعث للريب فهو في غاية الوضوح والإحكام والتناسق والتناسب يُصدق بعضه بعضًا، ويُشبه بعضه بعضًا في بلاغته وفصاحته فهذا ينتفع به أهل التقوى المتقون الذين رزقهم الله العلم النافع والعمل الصالح فهؤلاء هم الذين يجعلون بينهم وبين عذاب الله وقاية بفعل ما أمر واجتناب ما نهى.

تأملوا هذه الآية: ذَلِكَ الْكِتَابُ [سورة البقرة:2] الإشارة بذلك معروف أنها للبعيد، يقولون: هذا للقريب، ذاك للمتوسط، ذلك للبعيد ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ [سورة البقرة:2] فهنا الإشارة بالبُعد تفيد علو مرتبته، هذا البُعد ليس ببُعد حسي ولكنه بُعد معنوي ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ [سورة البقرة:2] رفيع القدر والمنزلة والمكانة، فهو ذو مرتبة عظيمة عالية، وما كان كذلك فينبغي أن يُعظم في النفوس، وأن يُجل وأن يُقدس ويُحترم فلا يُبتذل ولا يُمتهن، ولذلك العلماء يذكرون في آدابه:

  • ألا يمس المصحف إلا طاهر.
  • ولا يتوسد المصحف ولا يُتكأ عليه.
  • ولا يوضع فوقه شيء، حتى كتب العلم يوضع فوقها.
  • ولا تُمد الرجل نحوه.
  • ولا يحصل شيء من المزاولات التي يكون فيها ابتذال حسي أو معنوي للقرآن.

يعني: مثل التمثل بالقرآن، الاستشهاد في بعض المواضع بعض المناسبات بجملة من القرآن، الراجح أن هذا يجوز ما لم يكن ذلك في مقام لا يليق أو مما يضحك منه الناس أو نحو هذا؛ لأنه يؤدي إلى ابتذال القرآن وامتهانه، فهنا أشار بهذه الإشارة إشارة إلى البعيد لعلو مرتبته.

وإذا كان بهذه المثابة عالي المرتبة فلابد أن يعود ذلك على مُلابسه ومُلازمه، فمن لازم هذا القرآن علا قدره وعُظمت مهابته وارتفعت منزلته ودرجته، المُقاربة والمُلابسة لمثل هذه، ولذلك انظروا إلى الأشياء الحسية التي يُلابسها الناس من الِمهن والصنائع، العرب معروف عندهم أن أهل الخيل فيهم من الشجاعة والإقدام ما ليس في غيرهم، أهل الغنم فيهم السكينة، أهل الإبل فيهم رعونة، وشدة، وغِلظة الذين يُكثرون من مخالطتها، أهل الزرع فيهم ضعف.

وهكذا كل صاحب صنعة أو مهنة فإنه يتأثر بصنعته ومهنته ولابد، تكلموا عن أشياء كثيرة، تكلموا عن من يُعلم الصبيان، تكلموا عن من يُزاول التعليم عمومًا، وأصحاب الفِراسة يذكرون من هذا أشياء يرى رجلاً يجلس في مكان وهو لا يعرفه فيقول: هذا مُعلم صبيان، فيُسأل الرجل أين تعمل؟

يقول: أُعلم الصبيان، فيُسأل هذا القاضي صاحب الفراسة كيف عرفت؟ فيقول: جلس جلسة الملوك وليس بملك، يعني: هيئته ليست بهيئة ملك، ونظرت إليه فإذا مر به صبي سلم عليه، مُعتاد على الصبيان، فهو مُعلم في الكتاتيب، يجلس جلسة الملوك لكنه مصروف النظر إلى الصبيان، فعرف أنه مُعلم ومُعلم صبيان، فكثرة المزاولات والمُلابسات لا شك أنها تؤثر في طبيعة الإنسان، وفي حاله يعرف ذلك أهل الفراسة، وقد يظهر ذلك لكل أحد، فهذا المتُمسك بالقرآن المُلازم له بتلاوته والعمل به الذي يشتغل بتدبر هذا القرآن، ويتمثل ما جاء فيه من الهدايات هذا تعلو مرتبته، فهذا القرآن رفيع الجناب.

وهكذا ما وصف به القرآن من الكرم القرآن كريم عزيز عظيم، المُشتغل بهذا الكتاب له نصيب من هذا.

كذلك لما وصف بأنه كتاب مُبارك كما قال بعض أهل العلم: "اشتغلنا بالقرآن فغمرتنا البركات"[4] وهذا أمر مُشاهد في أهل القرآن الذين يعملون به، ويتدبرونه، ويتلونه آناء الليل وأطراف النهار.

هذه الإشارة إلى البعيد: ذَلِكَ الْكِتَابُ [سورة البقرة:2] التي تدل على شرفه وعلو مرتبته هي أيضًا إشارة إلى ما سيؤول إليه أمر هذا القرآن من كونه مكتوبًا ومجموعًا في كتاب واحد ذَلِكَ الْكِتَابُ [سورة البقرة:2] سماه كتابًا، وحينما نزلت هذه الآية لم يكن القرآن قد جُمع في مصاحف، فدل على أن ذلك إشارة -والله تعالى أعلم- إلى ما سيؤول إليه أمره، ولهذا قال بعض أهل العلم: "إن جمع عثمان وقبله كتابة أبي بكر القرآن في صُحف، ثم عُثمان جمعه في مصاحف أن هذا ليس من قبيل المصالح المُرسلة"، والأصوليون عادة يُمثلون على المصالح المُرسلة بجمع عثمان للمصاحف، لم يفعله رسول الله ﷺ دعت الحاجة إليه فجمعه فحُمد له ذلك، لكن من أهل العلم من يقول: لا، هذا ليس من المصالح المُرسلة بل هذا مأخوذ من النص بطريق من طُرق الدلالة الصحيحة أن الله سماه كتابًا فدل على أن ذلك مما سيؤول إليه أمره، بل قالوا: فيه مُعجزة للنبي ﷺ بأن الله -تبارك وتعالى- أوحى إليه ما سيكون من أمر المصاحف، وهذا كما قال الله -تبارك وتعالى- أيضًا: وَهَذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ [سورة الأنعام:92] سماه كتابًا.

وقال: وَهَذَا ذِكْرٌ مُبَارَكٌ أَنزَلْنَاهُ أَفَأَنْتُمْ لَهُ مُنكِرُونَ [سورة الأنبياء:50] وغير ذلك، فالنبي ﷺ مُنذ أن أوحى الله إليه كان له من أصحابه من كان يكتب الوحي، ولما جُمعت هذه المصاحف كُتبت في صُحف أولاً، كُتب القرآن في صُحف، ثم في مصاحف في عهد عثمان فالذي كُتب في عهد أبي بكر وكُتب في عثمان لم يكن يُكتب، أو يُقبل شيء إلا أن يشهد عليه شهيدان، قالوا: المراد الحفظ والكتابة، لابد أن يكون محفوظًا، وأن يكون مما كُتب بين يدي رسول الله ﷺ.

وبعضهم يقول: شهيدان يشهدان على أن هذه الرقِاع مما كُتب بين يدي رسول الله ﷺ فكانوا يطلبون الكتابة والحفظ، زيادة في التوثق.

هذا بعض ما يتعلق بهذه الآية من الهدايات.

ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ [سورة البقرة:2] ذلك الكتاب، دخلت "أل" على الكتاب وذلك -والله تعالى أعلم- لبيان منزلة هذا الكتاب، لتفخيم أمره، لبيان علو مرتبته، كما قلنا: في الإشارة إليه بالبعيد ذلك فإن هذا يدل على ارتفاع مرتبته، فكذلك دخول "أل" على الكتاب.

ذَلِكَ الْكِتَابُ [سورة البقرة:2] الذي هو بهذه المثابة، وبهذه المنزلة لا رَيْبَ فِيهِ [سورة البقرة:2] فنفى عنه الريب، بعضهم يقف على قوله: لا رَيْبَ يعني: هذا الكتاب لا شك، يعني: أنه من عند الله -تبارك وتعالى- وأنه وحي أوحاه إلى رسوله ﷺ.

ثم قال: فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ [سورة البقرة:2] ولكن الذي عليه عامة أهل العلم أن ذلك يوصل بما بعده ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ [سورة البقرة:2] فيكون الوقف هنا هُدًى لِلْمُتَّقِينَ [سورة البقرة:2] وهذا لا شك أنه أبلغ، ومواضع الوقف والابتداء في القرآن كثير منها يرجع إلى جهة النظر في المعنى، فيجتهد أهل العلم بحسب ما يلوح لهم من المعنى، قد يختلفون في مواضع الوقف والوصل والابتداء، فالمشهور عند أهل العلم وهو الأقرب والأوفى في المعنى أن يكون الوقف على قوله: لا رَيْبَ فِيهِ [سورة البقرة:2] ثم يكون بعد ذلك هذا الكتاب موصوفًا بأنه هدى هذا أبلغ من قولك: فيه هدى، فحينما يكون هذا الكتاب محكومًا عليه بأنه هدى بهذا الإطلاق فذلك أبلغ من قولك فيه هدى، وهذا ظاهر.

ونفي الريب عن هذا القرآن ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ [سورة البقرة:2] فهذا يؤخذ منه هنا في النفي باعتبار أن النفي المتوجه لما يتصل بصفات الله أو بما يتصل بملائكته، أو ما يتصف برسله -عليهم الصلاة والسلام- أو ما يتصل بكتابه، هذه أربعة أشياء فإنه يتضمن ثبوت كمال ضده، يعني: لا يكون نفيًا مُجردًا فإن النفي المُجرد لا يكون مدحًا، فحينما يُقال مثلاً: بأن هذه السارية لا تجهل فليس ذلك فيه إثبات العلم لها، لكن حينما يقول ربنا -تبارك وتعالى- عن نفسه: لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ [سورة البقرة:255] هذا ليس مجرد نفي السِنة والنوم عن الله وإنما فيه إثبات كمال ضده، إثبات كمال حياته وقيوميته، وهكذا إذا نفى عن نفسه الظلم فهذا يدل على ثبوت كمال عدله، فإذا نفى عن ملائكته -عليهم السلام- بأنهم لا يعصون الله ما أمرهم، فهذا يدل على ثبوت كمال طاعتهم.

وإذا نفى عن النبي ﷺ قال: وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ [سورة التكوير:24] في القراءة الأخرى: (بظنين)، يعني: ليس ببخيل فهو لا يترك شيئًا مما أوحي إليه إلا بلغه، وكذلك بظنين من الظن يعني ليس بمُتهم، يتكلم بالظنون إنما هو علم مُحقق ووحي ثابت، فعلى القراءة الأولى بظنين هذا يدل على كمال بذله ونُصحه وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ [سورة التكوير:24] هذا يدل على كمال تثبته وتيقنه، وعلى كمال صدقه -عليه الصلاة والسلام.

وهكذا: وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ [سورة التكوير:22] يدل على كمال عقله -عليه الصلاة والسلام- وهكذا في القرآن، فإذا نفى الله عن كتابه وصفًا من الأوصاف الناقصة فإن ذلك يدل على ثبوت كمال ضده، فإذا قال عن القرآن: لا رَيْبَ فِيهِ فهذا يتضمن يدل على أنه مُضمن كمال اليقينيات، يعني: في مضامينه الأمور اليقينية المُحققة الثابتة، ليست بظنون ولا تخمينات، وليست أشياء من قبيل المحتملات للحق وضده، أو للصواب والخطأ، من جهة أخرى لا ريب فيه، فهذا أيضًا يتضمن أنه يورث كمال اليقين للناظر فيه ولمُلابسه وللقارئ؛ لأن الله -تبارك وتعالى- قد ضمنه الحُجج الواضحات والبراهين الساطعات التي لا تدع في الحق لبسا.

لا رَيْبَ فِيهِ والريب معروف هو شك خاص، هو نوع من الشك، الشك المُقلق يُقال له: لا رَيْبَ شك مع قلق، تقول: أنا في ريب من أمر فلان، مداخل الريب فلان مُرتاب في كذا، شك مع قلق، لكن يمكن أن تقول: أنا أشك هل مثلاً صليت الراتبة أو لم أُصليها، أنا أشك هل دخل الوقت، أو لم يدخل الوقت من غير قلق، لكن الشك المُقلق يُقال له: ريب، فلما كانت هذه القضايا التي تتصل بالاعتقاد والوحي والحقائق الكُبرى وهذا المُبلغ عن الله -تبارك وتعالى- فإن هذا الكلام الذي يُنسب إلى الله حينما يقع الشك فيه، أو في أخباره ومضامينه فهذا يوجب قلقًا لدى هذا الشاك، لكن الله -تبارك وتعالى- نفى ذلك عنه فهو يورث كمال اليقين لما تضمنه من البراهين والدلائل والحُجج التي تُجلي الحق وتوضحه وتكشف الباطل، فهذا معنى يُستخرج من هذا الموضع وهداية تؤخذ من هذه الجُملة في النفي ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ [سورة البقرة:2].

وهذا يقتضي أن من نظر في كتاب الله وتدبره فإنه يحصل له من كمال اليقين ما لا يحصل لغيره، يعني: من أراد العلوم الثابتة واليقين المُحقق، والاعتقاد الراسخ بعيدًا عن الاعتقادات المُضطربة التي يتردد فيها ونحو ذلك فعليه أن يُكثر من تدبر هذا القرآن فإنه يورثه كمال اليقين، بخلاف النظر في غيره، النظر في كتب الشبهات، كتب علم الكلام، والجدل، فإن هذا يورث أصحابه الشك، ولذلك نجد أن هؤلاء كما ذكرت في بعض المناسبات في غير هذه المجالس علماء كِبار درسوا العلوم الفلسفية والكلامية وتبحروا فيها ثم بعد ذلك ماذا كانت نهايتهم؟

هذا يقول: أموت على دين عجائز نيسابور، يقول: "لقد خضت البحر الخِضم وتركت أهل الإسلام وعلومهم ودخلت فيما نهوني عنه، وها أنا أرجع إلى دين العجائز"[5] يعني الفطرة، هذا بعد دراسة الفلسفة دراسة موسعة مطولة.

وتجد أن بعضهم يذكر آلاف الكتب التي تدرسها مما تُرجم من كُتب اليونان، ثم بعد ذلك يرجع بالحيرة ما كان أحدهم يقول: "أضع الملحفة على وجهي، وأقابل بين أقوال هؤلاء وهؤلاء ولا أرجع بشيء"[6] يسأل صاحبه ما تعتقد؟ وهو في مرض الموت فيذكر له اعتقاده، ويقول: وأنت مطمئن القلب بهذا، يقول: نعم، ثم يبكي هذا الذي في حال الاحتضار يقول: "والله ما أدري ما أعتقد، الله ما أدري ما أعتقد، والله ما أدري ما أعتقد"[7] هذا عالم كبير من علماء الكلام.

والآخر كان يتمثل بالأبيات المشهورة:

نهاية إقدام العقول عِقال وغاية سعي العالمين ضلال
وأرواحنا في وحشة من جسومنا وحاصل دنيانا أذى ووبال
ولم نستفد من بحثنا طول عمرنا سوى أن جمعنا فيه قيل وقالوا
وكم من جبال على شُرفتها رجال فزالوا والجبال جبال[8]

ويُمثل الحيرة التي كان فيها، فهذا الذي انتهوا إليه، وذلك قالوا عن الغزالي الذي قال عنه تلميذه المُعجب به جدًا وهو أبو بكر ابن العربي قال: "بأنه دخل في جوف الفلسفة ولم يستطع الخروج منها، انتهى وصحيح البخاري على صدره"[9] هذه هي النهاية بعد مشوار طويل ورحلة طويلة مع الفلسفة وعلوم الكلام.

وكذلك الرازي في وصيته من نظر في هذه الوصية فإنه يستبين له أن الرجل قد رجع عن ذلك كله، وهو رأس من رؤوس هؤلاء، وكذلك الجويني، وكذلك الشهرستاني، بل قالوا عن ابن سيناء لما حضرته الوفاة: أعتق مماليكه، وجعل يختم في كل ثلاثة أيام ختمة، ذكروا أشياء عنه فالله أعلم بحاله[10] لكن مثل هؤلاء الذين دخلوا في هذه العلوم التي تورث الشكوك وتحيروا بها لم تورثهم يقينًا، وكانوا يبحثون عن اليقين، كانوا يعتقدون أنها نظريات عقلية تورث اليقين وكانوا يعتقدون أن النصوص لا تورث يقينًا؛ لأنها تفيد الظنون، وأن العقائد يجب أن تُبنى على اليقينيات، كانوا يظنون أن اليقين يحصل بالنظر العقلي، ولكنهم مع عقولهم ومع نظرهم في هذه المقررات التي يعتقدون أنها قواعد وأصول عقلية صحيحة إلا أنهم اختلفوا غاية الاختلاف فكانوا أكثر الناس تفرقًا، وريبًا، وشكًا.

وانظروا إلى الفكرة وما يُقابلها لما مر الرازي مع كوكبة من تلامذته على امرأة عجوز فقالت: من هذا؟ قالوا: هذا الذي يعرف على وجود الله ألف دليل، هو وجود الله يحتاج إلى ألف دليل!

وليس يصح في الأذهان شيء إذا احتاج النهار إلى دليل[11].

فقالت: لو لم يكن في قلبه ألف شك لما عرف ألف دليل، بالفطرة، لو لم يكن في قلبه ألف شك لما عرف ألف دليل؛ لأن هذه قضية مُسلمة، قضية وجود الله .

فالله -تبارك وتعالى- قال عن هذا الكتاب: لا رَيْبَ فِيهِ ولذلك أولئك الذين يبحثون عن الحقيقة في كتب مُترجمة من الفلسفات العصرية، أو يبحثون عنها بالنظر العقلي مع أن عقولهم لا تُقارن ولا تُقاس بعقول أولئك الأصاطين من علماء الكلام، وإنما الغاية عند الواحد منهم أنه قرأ بضع تغريدات، أو لربما بعض الكتيبات المترجمة ثم بعد ذلك اعتقد أنه مثقف، وأنه يحمل عقلاً يستطيع معه أن يُميز، وأن يعرض نصوص الوحي على عقله فما قبله عقله قبله، وما رده عقله رده، فهو في غِنى عن فهم علماء الأمة من أولهم إلى آخرهم من لدن الصحابة  إلى يومنا هذا لا ينظر في أقوالهم ولا يعرفها ولا يعرف مواطن الإجماع، ولا الخلاف، ولا يعرف الأصول ولا المبادئ التي يُبنى عليها الفهم، والعلم، وإنما يقول بعقله هذا أنه يعرض عليه النصوص فما قبله هذا العقل قبله، وماذا عسى أن يفهم ويُدرك هذا العقل الذي اتخذه إلهًا وطاغوتًا يرد به النصوص من الكتاب والسنة؟!

فهؤلاء من علماء الكلام الكِبار الذين درسوا هذه العلوم ما كان لهم بصر في علوم الوحي في الكتاب والسنة، ولذلك ذكرت في بعض المناسبات ما ذكره شيخ الإسلام -رحمه الله- عن واحد منهم يُقال له: الأصبهاني جيء له بالمصحف فأراد أن يقرأ في سورة الأعراف المص [سورة الأعراف:1][12] فقرأ المص، يقرأها هكذا المص، هو لا يعرف لا يُحسن قراءة القرآن أصلاً.

وكما قال شيخ الإسلام عن أحد كِبارهم لما نظر في كتاب من كُتبه لم يجد له إلا ثلاثة أحاديث، ويذكرها في سياق الرد حديث موضوع، وحديث ضعيف، يعني: يوردها ليرد أيضًا عليها، وإذا قرأت في كتبهم في العقائد كأنك تقرأ في كتاب من كتب المنطق تمامًا، وعندهم القاعدة والأصل أن كل "نص يُخالف العقل فهو مؤول"[13] بل قال بعضهم علماء الكلام كما ذكرت في الكلام على الاختلاف وعلى أسباب الاختلاف بأن هؤلاء لربما قال الواحد منهم من علماء المعتزلة: "بأن الحجة العقلية تنسخ النص"[14].

وقال: بأن اليقين والاعتبار إنما هو بالحُجج العقلية وأما النقل فهو تُهمة[15] يعني: العبرة والحجة بالمقاييس العقلية، والنقل تُهمة، النقل هو الكتاب والسنة تُهمة! والحجة في المقاييس العقلية.

فهؤلاء لا يعرفون الوحي ولم يشتغلوا به، ولم يدرسوه، فإذا كان هذا يُقال في أولئك، وهذه حالهم، وهذا ما انتهى إليه أمرهم فلا ينبغي لأحد أن يُغرر بنفسه، ويخطو بعض خطوات لا يبلغ بها شأوهم، ثم بعد ذلك يضيع ويضل، فلا حصل العلوم العقلية ولا أبقى على نفسه وعرف ما جاء في الكتاب والسنة.

وماذا عسى أن تنفعه كلمة مُثقف أن يوصف بها؟! ولربما كان أبعد ما يكون عن حقيقة العلم الصحيح الذي جاء به الرسول ﷺ فمن أراد كمال اليقين عليه بهذا، وما يشرحه من سنة رسول الله ﷺ على فهم السلف الصالح .

لا رَيْبَ فِيهِ [سورة البقرة:2] هذ الذي يورث اليقين وليس اليقين يُطلب فيه غيره، فمن تطلب ذلك في كتب الشرق أو الغرب، أو بفكره ونتائج فكره فإنه سيظل: فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ [سورة البقرة:38] فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى ۝ وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى ۝ قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا ۝ قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى [سورة طه:123- 126] العمى والجزاء من جنس العمل، لما عمي في الدنيا عن آيات الله -تبارك وتعالى- حُشر يوم القيامة في حال من العمى.

ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ [سورة البقرة:2] حكم عليه بأنه هدى، هو بكامله من أوله إلى آخره بتفاصيله وجُمله وآياته وسوره هدى، وقد أطلق الله -تبارك وتعالى- ذلك فهو هدى في كل الشؤون والأبواب، لا يختص ذلك بباب دون باب، وسيأتي مزيدًا من الإيضاح لهذه القضية، لكن الله -تبارك وتعالى- أضاف هذا الهدى هنا للمتقين، فالذين يهتدون به هم من يكون الواحد منهم قابلاً للاهتداء، يعني يوجد عنده المحل القابل القلب الحي الذي عُمر بالتقوى وليس كل أحد، كما قال الله -تبارك وتعالى: قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُوْلَئِكَ يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ [سورة فصلت:44] -نسأل الله العافية- عمى على هؤلاء بمقابل كونه هدًى للذين آمنوا وشفاء يشفي صدورهم من الشكوك، والريب، والحيرة، والجهل، والشرك، والشك، والكفر، وهو شفاء أيضًا لأبدانهم؛ لأن الله أطلق الشفاء وقال: وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا [سورة الإسراء:82].

فأهل الإيمان هم الذين ينتفعون به ويكون هدى لهم وشفاء ورحمة يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ [سورة يونس:57].

وهذه الآية في هذه السورة الكريمة هُدًى لِلْمُتَّقِينَ هو هدى للجميع يُرشدهم إلى ما فيه نفعهم وصلاحهم وفلاحهم في الدنيا والآخرة، لكن لما كان المُنتفع به هم أهل الإيمان خصهم بذلك.

ثم أيضًا هذا القلب إذا عُمر بتقوى الله -تبارك وتعالى- فإنه يكون قابلاً كما أسلفت لهذا الهدى كالمطر الذي ينزل على الأرض فإن كانت الأرض قابلةً أرض طيبة أنبتت وأمرعت واهتزت وربت، وأما إذا كانت الأرض سبخة فإنها لا تنبت شيئًا، ولا يظهر أثر ذلك المطر عليها.

وبهذا القيد الذي ذكره الله هنا: هُدًى لِلْمُتَّقِينَ [سورة البقرة:2] يظهر لنا السر والجواب في كون الكثيرين لا ينتفعون به، ثم إن هذا الحكم بأنه هدى للمتقين ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ [سورة البقرة:2] حكم بأنه هدى وعلق ذلك بوصف وهو التقوى، والقاعدة أن "الحكم المعلق على وصف يزيد بزيادته وينقص بنقصانه"، فهو هدى للمتقين، وعليه فبقدر التقوى التي تعمر القلب بقدر ما يوجد منها في القلب يكون الاهتداء بالقرآن، والانتفاع بالقرآن، ننتفع بالقرآن بقدر ما في قلوبنا من التقوى هُدًى لِلْمُتَّقِينَ [سورة البقرة:2] فإذا ضعُفت التقوى ضعف الانتفاع بالقرآن، وإذا عظُمت التقوى في القلب وعمُر بها عظُم الانتفاع بالقرآن، فالناس يتفاوتون، فمن أراد الانتفاع بالقرآن فعليه أولاً أن يجعل المحل قابلاً، يُصلح هذا القلب فيكون أرضًا طيبة للإنبات والزرع، يكون قلبه زكيًا طاهرًا لا يتعلق بغير الله، ولا يشتغل بمساخطه، هذا بالإضافة إلى أمور أخرى تُطلب في ذلك من الإقبال على القرآن، والإنصات له عند القراءة والاستماع، وكذلك التدبر له، وكذلك أيضًا إحضار القلب عند سماعه، أو قراءته.

ثم أيضًا هنا لما كان هذا القرآن بهذه المنزلة وهو أحسن الكلام وأعظم الكلام هدى فإنه لا يصلح له إلا القلوب النقية القلوب التقية، القلوب الصافية: هُدًى لِلْمُتَّقِينَ [سورة البقرة:2] وذكر صفة هؤلاء: الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاة وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ ۝ وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالآخرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ ۝ أُوْلَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [سورة البقرة:3، 5] هدى للمتقين، من هم؟

أول صفة الذين يؤمنون بالغيب، فهذا الذي عنده توقف عنده تردد هذه قضية لا يقبلها العقل كيف تصدقون بمثل هذه الأشياء، الحديث في البخاري، قال: وإذا كان في البخاري! فمثل هذا لا يحصل له مثل الاهتداء بالقرآن، تورد عليه الآيات والنصوص ثم بعد ذلك يتعامل معها بطريقة غير لائقة، وهؤلاء يجدون من يقول لهم ومن يُربيهم على مثل هذه الأشياء، يجدون من يقول لهم كل شيء عندنا قابل للنقاش، والأخذ والرد بلا استثناء، هؤلاء عندما يُقال لهم في دورة أو في قناة فضائية أو نحو ذلك كل شيء قابل للنقاش، هؤلاء مساكين يظنون أنها طرح له بريق وكل شيء قابل للنقاش، وأن هذا من التجرد، وأنك تترك كل ما كان لك من خلفيات، ثم بعد ذلك تبقى على سطح جاف خاوٍ تتخلى عن مُعتقداتك، وعن إيمانك، ثم بعد ذلك يريد هذا الإنسان أن يصل إلى الصواب وإلى الحق، يترك إيمانه الذي هداه الله إليه، ويتخلى عنه ويجعل إيمانه خلف ظهره يقول من أجل أن أصل إلى الحقيقة.

ويقول: الكل عنده شيء من الحق، الكل!!، يعني: حتى البوذي والمجوسي واليهودي والنصراني عندهم جزء من الحق، إذًا لا يوجد أحد يحتكر -هكذا يزعمون- الحق والحقيقة، فعلينا أن نتجرد لنأخذ أحسن ما عند هؤلاء، أومتهوكون فيها يا ابن الخطاب [16] كما قال النبي ﷺ لمجرد أنه رأى معه صحيفة من التوراة، غضب -عليه الصلاة والسلام- فكيف لو سمع النبي ﷺ هذا المُبطل الذي يقول: الحقيقة موجودة موزعة، فينبغي أن نأخذ أحسن ما عند هؤلاء.

لم يعلم أن أحسن ما عند هؤلاء موجود في هذا الدين مع أشياء أخرى لا توجد عندهم ولا يعرفونها، سواء عند أصحاب الديانات المحرفة، أو أولئك الذين يعيشون في ضياع كامل من الوثنية، أو الإلحاد أو نحو هذا، ثم نقول: كل ما عند غير المسلمين من حق فيوجد عن المسلمين مثل أضعافه من الحق، لكن هؤلاء لا يعلمون حقائق ما جاء به الرسول ﷺ ويظنون أنهم يطرحون طرحًا متجردًا وأنهم يبحثون عن الحقيقة، هؤلاء لم يعرفوا قدر ما عندهم من الوحي، فأوقعهم ذلك في مثل هذا: الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاة وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ [سورة البقرة:3] لم يقل ويؤدونها، وسيأتي الكلام على هذا، هذه أوصاف الذين ينتفعون بالقرآن ويهتدون به، هؤلاء الذين يتفاعلون مع هداياته هدى.

وهنا هُدًى مصدر وضعه موضع اسم الفاعل هادي للمتقين، للتأكيد على دوام هدايته واستمرارها، وجاء مُنكرًا هُدًى للتعظيم، وأن هذه الهداية هداية مُطلقة في كل ما يحتاج إليه الخلق للوصول إلى السعادة في الدارين في الدنيا والآخرة، هدى في جميع الأبواب، ماذا تريد؟ تريد المنشأ والبداية الغاية التي من أجلها وجِدنا، تريد المصير والمُنتهى، تريد شرح السبيل والطريق الموصل إلى الله، تريد ما وقع فيه أولئك من المتهوكين الشاكين الضالين المحرفين، أو من أهل الغضب وما وقع لهم من أمور اختلفوا فيها واضطربوا، فيأتي هذا القرآن ليُجلي ذلك كله.

وكذلك أيضًا إذا كان الإنسان يريد الهدى في الأبواب المتصلة بصفات المعبود بوحدانيته بربوبيته إذا كان يريد الهدى في ما يتعلق بأمر الأسرة، أو الاجتماع أو ما يتعلق بقضايا التعبد ونحو ذلك كل هذا هو هُدى، من اتبعه ضمن الله له فلا يضل ولا يشقى، لا يحصل له ضلال لا يضيع، ولا يحصل له شقاء، لا يحصل شقاء لا في الدنيا ولا في الآخرة.

هذا الذي يُعاني ويقول: عندي مشكلة، عندي ضيق، عندي غم، عندي هم، عندي كآبة، فلا يضل ولا يشقى، هذا وعد من الله فإذا أعرض عنه حصل له الشقاء بكل صوره وأنواعه، وانظروا إلى الشقاء الذي يلوح على وجوه هؤلاء الكفار الضُلال، ترى الشقاء في وجوههم، يراه كل أحد لكن كثير من أبناء المسلمين لا يعرفون قدر هذه النعمة التي حباهم الله بها، فهنا لم يُقيده بقيد لم يقل هدى للمصلحة الفلانية، وذلك من قبيل حذف المُتعلق، وحذف المتعلق يفيد العموم، حذف المتعلق يعني حذف المُقدر، لم يقل هدى في كذا، هدى للمتقين في موضوع الاقتصاد، هدى للمتقين في موضوع السياسة، هدى للمتقين في موضوع الأسرة والمجتمع، هدى للمتقين في موضوع العبادات أو الأحوال الشخصية، أو نحو ذلك، لا، هدى للمتقين في كل شأن من شؤون حياتهم، فهو يُبين لهم كل ما يحتاجون إليه في قضايا الأصول والفروع، يُبين يُميز الحق من الباطل، والهدى من الضلال، ويُبين لهم كيف يسلكون الطريق الموصل إلى النجاة والسعادة.

ثم أيضًا أختم بهذه وذلك أن هذه الجُمل الأربع: الم ۝ ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ [سورة البقرة:1، 2] فيها تناسق وقد جاء بها من غير عطف، فكانت بهذا التناسق والترابط والتآخي آخذ بعضها بحُجز بعض، لم يُحتاج إلى الوصل بينها بحرف عطف، كل جملة فيها من الهدايات والمعاني الجزلة على قِصر ألفاظها فهذا الذي يُسميه البلاغيون بالفصل وهو عدم عطف الجُمل بالواو؛ لكمال الاتصال بينها.

فقوله: الم [سورة البقرة:1] يُشير إلى إعجاز هذا القرآن، هذا القرآن المُعجز لا ريب ذلك الكتاب صاحب المنزلة العالية لا ريب فيه، وهذا الكتاب الذي بهذه المثابة، ولا ريب فيه هو هدى للمتقين. 

  1. منهاج السنة النبوية (4/ 490). 
  2.  غاية المرام في علم الكلام، للثعلبي (ص:344). 
  3.  منهاج السنة النبوية (4/ 491).
  4.  العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (1/ 7).
  5.  انظر: مجموع الفتاوى (4/ 73)، وشرح الطحاوية ت الأرناؤوط (1/ 245).
  6.  انظر: درء تعارض العقل والنقل (1/ 165)، وشرح الطحاوية ت الأرناؤوط (1/ 247). 
  7.  مجموع الفتاوى (9/ 228)، وشرح الطحاوية ت الأرناؤوط (1/ 246). 
  8.  وفيات الأعيان (4/ 250)، وشرح الطحاوية ت الأرناؤوط (1/ 244). 
  9.  انظر: شرح فتح المجيد للغنيمان (52/ 9، بترقيم الشاملة آليا). 
  10.  انظر: وفيات الأعيان (2/ 160). 
  11.  مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين (1/ 82). 
  12.  انظر: مجموع الفتاوى (4/ 96). 
  13.  نقل عن الكرخي نحوه كما في إرشاد النقاد إلى تيسير الاجتهاد (ص:17). 
  14.  تأويل مختلف الحديث (ص:94)، والثبات والشمول في الشريعة الإسلامية (ص:187)، ونص العبارة: "وذكر أن حجة العقل قد تنسخ الأخبار". 
  15.  نُقل عن أبي الحسن الكرخي الحنفي أنه قال: "كل آية تخالف ما عليه أصحابنا فهي مؤولة أو منسوخة وحديث كذلك فهو مؤول أو منسوخ". انظر: إرشاد النقاد إلى تيسير الاجتهاد (ص:17). 
  16.  أخرجه أحمد في المسند، برقم (15156)، وقال محققوه: "إسناده ضعيف لضعف مجالد: وهو ابن سعيد"، وحسنه الألباني في إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل (6/ 34)، برقم (1589).